الإخلاص منجاة

خطب الشيخ ابي الحسن المطري حفظه الله الخطبة الاولى 

الخطبة الأولى: 
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله:
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }[آل عمران: 102].
 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }[ النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }[ الأحزاب70 ـ 71].
أما بعد : 
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة في الدين ضلالة وكل ضلالة في النار.
معاشر المؤمنين: 
أمرنا الله تبارك وتعالى بالعبادة والتوحيد فقال سبحانه آمراً إيانا : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }[البقرة21ـ 22].
 فالله أمرنا بالعبادة والتوحيد وبين لنا الغاية من خلقتنا على وجه الأرض فقال سبحانه : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)}[الذاريات: 56ـ 58].
خلقك الله للعبادة وجعلك خليفة في الأرض يخلف بعضكم بعضاً في هذا الأمر{ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ }[النساء:131].
 فلماذا خلقنا ؟ للعبادة والتوحيد هذه هي الغاية من خلق الله للإنس والجن فما خلقنا الله لنأكل أو نشرب أو نلبس أو نعيش فحسب هذه منن يمتن الله بها علينا لتكون سبباً في إيصال هذه الغاية التي أرادها الله عز وجل من بني آدم.
 العبادة معناها: التذلل والخضوع لمن يكون هذا ؟ لله.
والعبادة بالمعني الشرعي معناها : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وهذه العبادة ليس مردها إلى الأهواء والأمزجة والإستحسانات ليعبد كل واحدٍ ربه على ما يريد كلا إنها منضبطة بضابط الوحي السماوي.
 فأما الأمم الغابرة فهم منضبطون بشرع أنبيائهم حتى بعثة محمدٍ صلى الله عليه وسلم فما كان من قبل البعثة من دين عيسى وموسى عليهما الصلاة والسلام مقبولاً يدان به الله في الأرض فبعد بعثة محمدٍ صلى الله عليه وسلم نسخ الإسلام كل تلك الديانات فلا دين صحيح يعبد به الله غير الإسلام , الشرع الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم فوجب على كل يهودي أو مسيحي نصراني أن يعلم أن دينه باطل بعد أن بعث محمدٌ عليه الصلاة والسلام قال سبحانه : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[آل عمران85 ].
 وقال سبحانه : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ }[آل عمران19].
 وجاء في صحيح مسلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال:{ والذي نفسي محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار}( ) وجاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني البغدادي رحمه الله عن جابر بن عبد الله : أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال:{ أمتهوكون فيها يا بن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني}( ).
ونقول لمزاعم المسيحيين أن المسيح بشر بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام كما قال سبحانه:{ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ }[الصف6].
 هذا ما نطق به قرآننا وإذا تأملت في أناجيل النصارى أناجيلهم الموجودة الآن إنجيل يوحنا ومتى ومرقص ولوقا والكتاب المقدس كلها تنص على ذلك ونزيدهم من الشعر بيتاً كما يقال: أنه في آخر الزمان ينزل عيسى بن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يحكم إلا بد

ين محمدٍ صلى الله عليه وسلم جاء في صحيح البخاري أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال:{ والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد}( ). هذه من الأنباء المتفق عليها عند سائر الملل والنحل من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم فهذه العبادة ليس مردها الأهواء والإستحسانات والأقيسة وإنما منضبطة بضابط الوحي المنزل.
 وأما من كانوا من أتباع محمدٍ صلى الله عليه وسلم فلقد شرط الله عليهم في هذه العبادة أن تكون عبادة صالحة وإلا كانت مردودة حالهم كحال الكفار {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }[النور39].
 ويقول سبحانه في كتابه الكريم :{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[الزمر65 ]. فيشترط في العبادة أن تكون عبادة صالحة قال جل وعلا : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً }[الكهف107].
 فتأملوا يا رعاكم الله آمنوا وعملوا الصالحات.
 وقال سبحانه : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }[الكهف110]. 
فلا بد أن يكون العمل عنوانه الصلاح وهذا الصلاح يتمثل بالإخلاص لله والإتباع لسنة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وإلا كان عملاً باطلاً مردوداً غير مقبول {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً }[الفرقان23]. فلا بد في الإخلاص من شرطين لا بد للعمل الصالح من شرطين أما الشرط الأول فهو الإخلاص وهو ميزان باطني وأما الشرط الثاني فهو الإتباع لسنة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
 يقول الفضيل بن عياض( ) في تفسير قول الله سبحانه : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }[الملك2].
قال: يقول : أحسن عملاً فما قال : أكثر عملاً ثم قال : أخلصه وأصوبه فقيل له : كيف ؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإن كان صواباً من غير إخلاص لم يقبل( ).
 فلا بد من هذين الميزانين إخلاص لله واتباع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالإخلاص هو تخليص العمل من كل رياء وسمعة, الإخلاص هو تصفية العمل.
 وقالوا في تفسير الإخلاص : هو إفراد الله بالقصد وقالوا في تفسير الإخلاص : هو أن لا يطلع على العمل ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيزيغه وقالوا في تفسير الإخلاص : هو نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق سبحانه وتعالى فمن أخلص تخلص وما تعثر مخلص أبداً.
 قال أبو سليمان الداراني( ) : إذا أخلص العبد انقطعت عنه الوساوس والرؤيا( ).                    
 الإخلاص يا معاشر المسلمين أمر الله به فقال : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }[ البينة5].
 وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }[الأنعام162].
 وقال سبحانه:{ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ }[الحج37].
فالمخلص هو من قصد بعمله وجه الله فالإخلاص يكثر العمل وإن كان قليلاً يضاعف الله الأجور للمخلصين وتكتب لهم الحسنات وهم معذورون لا يزاولونه لكن أعمالهم التي عملوها لربهم مع نواياهم الطيبة الصالحة جعلت أقلام الكتابة تكتب لهم الحسنات ففي غزوة تبوك يمر صلى الله عليه وسلم بوادٍ من الوديان فقال : { إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرا ًولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر)وفي رواية: {إلا شركوكم الأجر}( ). 
                     يا راحلين إلى البيت العتيق لقد     سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحا
                     إنا أقمنـا على عـذرٍ وعـن قـدرٍ    فـمـن أقــام علـى عـذرٍ فقــد راحا( )
وجاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا}( ) فعلى حسب نيتك وفي حديثٍ يعتبر أصلاً من أصول الإسلام { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى }( ) فرب رجلين يتفقان في عمل في ابتدائه وانتهائه في حركاته وسكونه خذ على ذلك مثالاً هم في الصلاة أي صلاة من الصلوات الخمس أو صلاة الجمعة جنباً إلى جنب ولكن الفوارق في قبول العمل وكتابة الحسنات بون شاسع عظيم فالأول قد نوى بهذا العمل وجه الله والثاني ربما نوى به الرياء والسمعة 
           ثوب الرياء يشف عما تحته            فإذا اشتملت به فإنك

اليهود والمنافقين اللهم عليك بهم يا رب العالمين أرنا فيهم يوماً أسوداً كيوم قارون وهامان وفرعون إنك على كل شيء قدير . 
عباد الله : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }[النحل90].
اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون وأقم الصلاة .

عاري 
وتأمل في قول الحبيب محمدٍ : { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى }.
 وجاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه{ إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك }( ) وجاء في مسند أحمد من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله و النصح لأئمة المسلمين و لزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحوط من وراءهم }( ).
{ {ثلاث لا يغل عليهن } بمعنى لا يستقر في القلب المتصف بهذه الصفات شيء من الحقد. فالإخلاص لله عز وجل شأنه رفيع يا عباد الله ومن عامل الله بإخلاص وجد من الثمار الطيبة أولاً يكون عمله مقبولاً ، ثانياً : يندحر الشيطان الرجيم فلا يستطيع القرب من أهل الإخلاص كما قال سبحانه حاكياً عن الشيطان أنه  قال :{ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص:82ـ83]
وتأمل في يوسف ما استطاع الشيطان أن يخترق قلبه لأنه كان من عباد الله المخلصين ومن ثمار الإخلاص النجاة من المكروه واستجابة الدعاء فمن عامل الله بإخلاص استجيبت دعوته وأنقذه الله من كربات الدنيا والآخرة جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسولنا صلى الله عليه وسلم ذكر لنا قصة ثلاثة نفر هؤلاء الثلاثة آواهم المبيت إلى غار فدخلوه هروباً من الليل أو من المطر فتدحرجت صخرة فسدت عليهم باب الغار فما استطاعوا الخروج من ذلك المكان فقال كل واحدٍ منهم ليدعو كل واحدٍ منا بصالح عمل من عمل صالحاً منا فهذا هو وقته الآن لندعو الله بصالح أعمالنا فقام الأول ورفع أكف الدعاء إلى الله وتوسل ببره وبرضا الله ورضا الوالدين توجه إلى الله سبحانه قائلاً : { اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا ـ بمعنى أنه إذا حلب الشاة أو البقرة أو الناقة لا يقدم الأبناء ولا الزوجة ولا الرقيق على الأب والأم هذا عمل صالح عظيم ـ  فنأى بي طلب الشجر يوماً ـ يعني ذهب يرعى مكاناً بعيد ـ فأتيتهما وقد ناما فحلبت لهما غبوقهما فانتظرت استيقاظهما والصبية يتضاغون من الجوع تحت قدمي اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة شيئا }.
ثم قام الثاني وتوسل بعمل صالحٍ قدمه وهو العفة عفته عن الزنا والحرام فقال :{ اللهم إنه كانت لي ابنة عم وكنت أحبها أشد ما يحب الرجال النساء فأردتها على نفسها فأبت ثم ألمت بها سنة فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تمكنني من نفسها فوافقت فلما أن قعدت منها مقعد الرجل من زوجته قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه قال : فانصرفت عنها وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة شيئا يسيرا }.
 ثم قام الثالث وتوسل بعمل صالحٍ وهو حفظه للمال حفظه للأمانة وحفظه لأجور المستأجرين من الشغالين والعمال الضعفاء اشتغل عنده عمال فأعطاهم أجورهم إلا واحد من العمال أبى أن يأخذ أمواله فتأملوا إليه وهو يستنزل النصر من الله ويطلب إزالة الكرب من الله سبحانه وتعالى فقال : {اللهم إنه كان لي أجراء فاستأجرتهم وأعطيت كل واحد أجره إلا واحداً من هؤلاء ترك ماله وذهب ثم نميت له ماله حتى صار له واد من الإبل وواد من الغنم وواد من البقر وواد من الرقيق فجاءني فقال : يا عبد الله أد إلي حقي فقلت : كل ما ترى هو لك قال : أتسخر بي ؟ فقلت: لا والله لا أسخر بك فاستاقه كله فقال : اللهم أن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون } ( ). هذا من بركة الإخلاص ، عاملوا الله بإخلاص فقبل الله دعاءهم ولقد رتب الله للمخلصين في العبادة جنة عرضها السماوات والأرض وكفى بها فخراً وشرفاً 
             فحيا على جناتِ عدنٍ فإنها   منازلنا الأولى وفيها المخيم 
            ولكننا سبي العدوِّ فهل ترى             نعـود إلـى أوطـانـنـا ونسـلم( ) 
يقول سبحانه حاكياً عن طائفة من الصالحين عن ثلة من المخلصين الأتقياء البررة كما في سورة الدهر يقول سبحانه : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)}[الإنسان: 8ـ 12].
 الإخلاص يا معاشر المسلمين لو وجد في بيوتنا لصلحت ، إذا عاملت المرأة ربها بإخلاص وعامل الرجل ربه بإخلاص وهكذا إن وجد الإخلاص في الدوائر الحكومية أن يكون الموظف مخلصاً في أعماله يحركه الإخلاص يريد من هذا العمل رضا الله فلا يحركه الدينار لا تحركه الرشوة ولا المصلحة ولا المجاملة ولا الطابع الحزبي هو موظف مستأجر للدولة يتقاضى راتب آخر الشهر إنما وضعته الدولة ليقضي حاج

ات المواطنين في أي معقل من معاقل الدولة في الأمن في المرور في الكهرباء في التلفون في البلدية في أي مكان هو موظف فمن جاءه للمراجعة في عمل قام في خدمته وفي قضاء حوائجه وكأنه من أخلص أصحابه ولكن بالعكس ضاع الإخلاص من حياتنا ومن مجتمعاتنا فقرب المعروف وقرب أصحاب الريال والسلطان والجاه وأهين ذلك الذي ليس معه ريال ولا شيء من الوجاهة فبأي ذنب حصل هذا إنه التفريط يا معاشر المسلمين فصلاح الأمم بإخلاص أبنائها فلا بد أن نكون مخلصين لديننا وهكذا أوفياء مع وطننا أوفياء مع كل شيء فيه نفعنا في الدنيا والآخرة تكون في ذلك مخلصاً على وفاءٍ وعند مبدئك لا يتغير ولا يتحطم بشيء من التوافه هذا مبدأ رباني أمر الله به وأوصى به سيد الأولين والآخرين وعكس الإخلاص الرياء والنفاق تسمعون نبذة مختصرة إن شاء الله. 
اللهم بارك لي ولكم في القرآن العظيم وانفعنا بسنة سيد الأولين والآخرين.
 هذا ما قلته لكم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين. 


الخطبة الثانية : 
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه : 
معاشر المؤمنين: 
إذا ضاع الإخلاص من حياتنا حلّ مكانه الكذب والرياء والنفاق وإن الله سبحانه وتعالى قد أنزل سورة في القرآن باسم سورة المنافقون وسورة أخرى سورة التوبة وتسمى سورة الفاضحة لأنها فضحت المنافقين وهتكت أستارهم فبداية النفاق رياء وكذب وباستطاعة المسلم أن يصلح نفسه وأن يصلح أعماله.
 يقول ابن رجب رحمه الله( ) : أنت يا ابن آدم خلقت من تراب ثم تعيش في الدنيا فوق تراب فإذا ما متّ نزلت وحدك في تراب فلما تعلقت بمن كان معك على تراب وصار إلى تراب ونسيت رب الأرباب فما الذي ينفعك عبد الله لا نفع لك إلا من الله ولا ضر إلا من الله سبحانه وتعالى{ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }[التوبة51].
 روى الإمام ابن ماجة في سننه من حديث ثوبان مولى رسول الله قال : سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:{لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا. فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا. قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لانعلم . قال: أما إنهم منكم ومن جلدتكم . ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله أنتهكوها }( ) فهذا إذا كان أمام الناس كان على استقامة وصلاح واستغفار فإذا ما خلا عن رقابة البشر هناك بارز الله بالعظائم حاله حال الجبان 
             وإذا ما الجبان خلا بأرضٍ    طلب الطعان وحده والنزالا
فالمؤمن لا بد أن يجعل نصب عينيه الله مخافة الله رقابة الله 
إذا صح منك الودّ يا غاية المنى    فكل الذي فوق التراب تراب 
فمثال المخلص مثال رجل أراد السفر فتزود بلذائذ الطعام والشراب ولذيذ الفاكهة فلما أدركه الجوع والعطش نزل تحت شجرة ثم قال لغلمانه : هاتوا المتاع فأنزلوا المتاع فوجدوا من لذيذ الطعام والفاكهة والشراب وأما المنافق أو المرائي أوالكذاب حاله كحال رجل أراد السفر فحمل تراباً على متن سيارته أو دابة من الدواب فلما أدركه الجوع والعطش قال لفتيانه : أنزلوا المتاع فأنزلوا له تراباً والتراب موجودٌ تحت قدميه هو جالس على تراب فما نفعه عمله أبداً فلذلك ضرب الله مثلاً لحال المنافق والمرائي قال سبحانه : { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }[البقرة266].
 فيضرب الله مثلاً في هذه الآية مثال رجل كان عنده مزرعة غنّاء فيها من جميع أنواع الفاكهة والخضروات والحبوب وكان هذا الرجل بهذه المزرعة في خير وسعة ثم لم يكن من الإنجاب إلا عند كبر سنه فلما كبر سنه وكان له من الولد إذا بهذه المزرعة تصاب بإعصار سماوي فأحرقت المزرعة عن آخرها فكيف يكون حال هذا الرجل وهو في سن كبير لا يستطيع أن يضرب في الأرض ليكسب المال لأولاده هكذا حال المنافقين والمرائين تتركهم أعمالهم وهم أحوج ما يكونون إليها . 
فيا أمة الإسلام ويا أمة العقيدة والتوحيد: 
من أراد العز والتمكين في دنياه وأخراه فليقبل على كتاب الله سبحانه وتعالى ليكثر من تلاوته فإن فيه الخير كله وليتعلم شيئاً من سنة محمدٍ صلى الله عليه وسلم فإن فيها الهدى والنور قال صلى الله عليه وسلم : { نضر الله امرئً سمع مقالتي فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع }( ).
 وقال صلى الله عليه وسلم:{ اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه }( ). 
أسأل الله أن يجعلنا وإياكم هداةً مهتدين اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى  اللهم انصر إخواننا على أرض فلسطين اللهم كن لهم نصيراً ومعيناً اللهم عليك ب

 

.