الحمد لله.
هناك فرق بين العام والمطلق ، وبيانه كالآتي:
فالعموم لغة: هو الشمول.
جاء في "القاموس المحيط" (ص 1141):
" وعَمَّ الشيءُ عُموماً: شَمِلَ الجَماعَةَ " انتهى.
وفي الاصطلاح:
فتعريفه المشهور في كتب الأصول؛ ما عرّفه به الرازي في كتابه "المحصول" (2 / 309 - 310)؛ حيث قال:
" العام: هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له، بحسب وضع واحد.
كقولنا: "الرّجال" فإنه مستغرق لجميع ما يصلح له.
ولا يدخل عليه النكرات، كقولهم: "رجل" لأنه يصلح لكل واحد من رجال الدنيا، ولا يستغرقهم...
وقولنا: "بحسب وضع واحد": احتراز عن اللفظ المشترك، أو الذي له حقيقة ومجاز؛ فإن عمومه لا يقتضي أن يتناول مفهوميه معا " انتهى.
"معنى التَّعريف:
لفظُ (العامِّ) مثلُ لفظ (النَّاسِ) مُستعملٌ في لسانِ العربِ ليشملَ كلَّ من يندرجُ تحتَ هذا اللَّفظ من بني الإنسانِ، فلا يخرُجُ عنه إنسانٌ، وهوَ لفظٌ واحدٌ دلَّ بمجرَّدِهِ على الاستيعابِ والإحاطةِ." انتهى، من "تيسير علم أصول الفقه" عبد الجديع.
ويزداد هذا التعريف وضوحا بمعرفة صيغ العموم وأمثلتها.
قال الدكتور محمد مصطفى الزحيلي:
" وضع العرب ألفاظا كثيرة، وصيغا متعددة تفيد العموم، وهي بحسب الاستقراء ما يلي:
1 - المفرد المعرف بأل الاستغراقية (أل الجنس)، مثل قوله تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا )، فإن لفظ ( السَّارِقُ ) يفيد العموم، ويشمل كل سارق...
2 - المفرد المعرّف بالإضافة، كقوله صلى الله عليه وسلم عن البحر: ( هو الطهور ماؤه، الحل ميتته )، فلفظ ( ميتته ) تفيد العموم، فيحل كل أنواع ميتات البحر.
3 - الجمع المعرف بأل، مثل قوله تعالى: ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ) فلفظ (الْوَالِدَاتُ) يشمل كل والدة.
4 - الجمع المعرف بالإضافة، كقوله تعالى: ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً )، فكلمة ( أَمْوَالِهِمْ )، تفيد العموم.
5 - النكرة في سياق النفي، أو النهي، أو الشرط، مثال الأول قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ضررَ ولا ضرار ). وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا وصية لوارث )، ومثال الثاني قوله تعالى: ( لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ )، ومثال الثالث قوله تعالى: ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا )، فكلمة: ضرر، وصية، قوم، فاسق، تفيد العموم.
6 - الأسماء الموصولة، مثل: من، ما، الذين، اللاتي، وأولات، كما في قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ).
7 - أسماء الشرط، مثل : مَن، ما، أي، أيُّما، كقوله تعالى: ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ).
8 - أسماء الاستفهام، مثل: مَن، وما، ومتى، وماذا، وأين، كما في قوله تعالى: ( قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ).
9 - ألفاظ الجموع، مثل: كل، وجميع، ومعشر، وعامة، وكافة، وقاطبة، مثل قوله تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) " انتهى من "الوجيز" (2 / 49 – 51).
وأما المطلق:
فهو لغة: الإرسال والخلو من كل قيد.
جاء في قاموس "تاج العروس" (26 / 102):
" والإطْلاقُ: الحَلُّ والإرْسال " انتهى.
وفي الكلام: " فأن يذكر الشيء باسمه لا يُقرَن به صفة ولا شرط ولا زمان ولا عدد ولا شيء يشبه ذلك " انتهى من كتاب "الصاحبي في فقه اللغة" (146) لابن فارس.
وعرّف في كتب الأصول بتعريفات متعددة ، وكلها قريبة من معناه في اللغة ؛ ومن ذلك قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" اصطلاحا: "ما دل على الحقيقة بلا قيد".
أي: لا يدل إلا على حقيقة الشيء فقط ، بلا قيد، مثل: إنسان، حيوان، درهم، دينار، بيت، دار... وما أشبه ذلك، كل ذلك نسميه "مطلقا" ، لأنه يدل على حقيقة بلا قيد.
كقوله تعالى: ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ).
المطلق هنا: قوله: (رَقَبَةٍ)، لأنها تصدق لواحد، فلو أعتقت رقبة واحدة ، صرت ممتثلا للأمر، فكلمة (رَقَبَةٍ) هنا من باب المطلق ، وليس من باب العام؛ لأنه لا يلزمني أن أعتق جميع الرقاب، وإنما أعتق واحدة من الرقاب ، لقوله: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)، ولم توصف الرقبة بصفة، ولو وصفت لكان هذا تقييدا، لكنها لم توصف، فهي هنا مطلقة " انتهى من "شرح الأصول من علم الأصول" (321 - 322).
وصيغة المطلق المشهورة: "النكرة في سياق الأمر"؛ كما في الآية التي ساقها الشيخ.
ويتحصّل مما سبق؛ أن الفرق بين العام والمطلق حاصل من عدة أوجه:
الوجه الأول: من حيث الحقيقة:
" أنّ "العام" : هو اللفظ الشامل لجميع أفراده بلاحصر.
وأما المطلق: فإنه لا يعم جميع أفراده، وإنما يخص فردا منها لكنه غير معيّن...
وبهذا؛ فالعام يصح الاستثناء منه – كقوله تعالى- ( وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ).
والمطلق : لا يصح الاستثناء منه؛ لأنه لا يعم إلا واحدا، والواحد كيف يستثنى منه؟ " انتهى بتصرف . "شرح الأصول من علم الأصول" (320 - 321).
الوجه الثاني: من حيث الصيغة:
يختلف العام عن المطلق في الصيغ، فلكل واحد منهما صيغ تدل عليه، كما سبق بيان هذا.
الوجه الثالث: من حيث الحكم.
فالعام المأمور به ، أو المنهي عنه : لا يمكن تحقيقه إلا بفعل جميع أفراد العام المأمور به، و الانتهاء عن جميع أفراد العام المنهي عنه.
فمثلا النكرة في سياق النفي في قوله صلى الله عليه وسلم : لا ضررَ ولا ضرار فلفظة "ضرر" و"ضرار" : نكرة في سياق النفي ، تفيد العموم، أي كل ضرر يجب أن يجتنب، فلو اجتنب المسلم كل ضرر إلا واحدا ، لكان مخالفا لهذا النص، ولا يكون مطيعا إلا بالانتهاء عن جميع ما نهي عنه من الضرر.
أما المطلق المأمور به : فإنه لا يلزم استيعاب جميع أفراده.
كما في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً البقرة /67.
فليس المأمور به أن يذبحوا كل أفراد البقر، بل كان يكفي هؤلاء القوم أن يذبحوا بقرة واحدة ، مهما كان وصفها.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" قال ابن جرير: عن ابن عباس، قال: ( لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم ).
إسناده صحيح، وقد رواه غير واحد عن ابن عباس. وكذا قال عبيدة، والسدي، ومجاهد، وعكرمة، وأبو العالية وغير واحد.
وقال ابن جريج: قال لي عطاء: لو أخذوا أدنى بقرة كفتهم " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1 / 298).
والله أعلم.