حـق الوالديـن


الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }[آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }[ النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }[ الأحزاب70 ـ 71].
أما بعد :
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
معاشر المؤمنين :
اتقوا الله سبحانه وتعالى واشكروه وراقبوه فإنه ما بكم من نعمة إلا منه سبحانه وتعالى هو الذي أسبغ عليكم نعمه الظاهرة والباطنة وكم لله علينا من آلاء { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }[إبراهيم34].
فمن الذي خلقك يا عبد الله ومن الذي وهب لك الحياة من الذي جعل لك الأرض مهاداً وجعل السماء لك لحافاً ؟ من الذي أخرج لك من بركات الأرض وأنزل عليك من بركات السماء ؟ إنه الله سبحانه فإذا كنت عالماً بذلك فوجب عليك أن تشكره سبحانه وتعالى شكر القلب واللسان وشكر الجوارح في كل لحظة وآن
                      أفادتكم النعماء مني ثلاثة            يدي ولساني والضمير المحجبا
فإن من شكر الله ازدادت نعمته وكثرت وبارك الله له فيها وما من أحد جحد نعم الله إلا هدد بالسلب فالنعم إذا شكرت قرت وإذا كفرت فرت وتولت قال سبحانه :{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }[إبراهيم7] .
فاشكر الله سبحانه وتعالى على نعمة الخلق والإيجاد وعلى ما أنعم عليك به من الصحة والإيمان ثم بعد حق الله يكون الشكر للوالدين لما كان لهم من الإيلاد والتربية والتضحية فلقد قرن الله شكره بشكر الوالدين فقال سبحانه : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }[لقمان14].
قال سبحانه:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)}[الإسراء:23ـ 24].
وقال سبحانه : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }[النساء36] .
فإنه لا يمكن أن يوجد عاقلٌ على وجه الأرض يجهل حق الوالدين سواء كان مؤمناً أم كافراً فما دام أنه عاقل فهو لا شك أنه يدرك ما بذله الوالدان في مجال التربية حتى صار طفلاً ثم شاباً يافعاً فقلب صفحات التاريخ وتأمل عبد الله وقد حملت بك أمك ثم قاست اللأواء تسعة شهور ثم ما كان بعد ذلك من ضرب المخاض من الآلام هذا رجل من الصالحين يحمل أمه من بيته ثم يذهب بها إلى الحرم المكي ليطوف بها ثم يعود بها راجعاً وهي على عنقه فلقي عبد الله بن عمر قال : حملت أمي تسعة أشهر حججت بها على ظهري فهل ترى أني قد جازيتها قال له ابن عمر : كلا والله ولا بزفرة واحدة من زفراتها( ).
وتأمل عبد الله في حق الوالد وقد خرج يضرب الفيافي والقفار ويتحمل كل المشاق في إيجاد اللقمة من الأكل والشرب من أجل أن تسعد فهذا يدل على عظم المقاساة فكان الله سبحانه قد أوجب على الأولاد العطف على الوالدين وأن يعلموا حقهما وما قاما به من الخير تلقاء الأبناء وإنما جزاء الإحسان إحسانٌ
             من يصنع الحسنات الله يشكرها      والشر بالشر عند الله مثلان
وإنما الجزاء من جنس العمل ، امتدح الله بعض النبيين لما كان لهم من الإهتمام نحو الآباء فهذا أول نبي إلى أهل الأرض نوح عليه الصلاة والسلام رفع الله كلمة قالها يوماً من الدهر قال سبحانه حاكياً على لسان نوح : {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً }[نوح28].
ويذكر الله عبده يحي فيقول سبحانه : { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14)}[مريم: 12ـ 14].
ويقول عن عيسى بن مريم:{ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)}[مريم: 30ـ 32].
وكان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن ــ وهم الناس الذين دخلوا من اليمن لنصرة دين الإسلام ــ سألهم أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على أويس فقال أنت أويس بن عامر ؟ قال نعم قال من مراد ثم من قرن ؟ قال نعم قال فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال نعم قال لك والدة ؟ قال نعم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فاستغفر لي فاستغفر له فقال له عمر أين تريد ؟ قال الكوفة قال ألا أكتب لك إلى عاملها ؟ قال أكون في غبراء الناس أحب إلي }( )
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:{ إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم }( ). فهذا العبد الصالح بلغ هذه المنزلة الرفيعة بأي أمر كان يقوم به ؟ كان باراً بأمه حتى إن كتب السير والتأريخ لتجمع على مثل هذا فنال الخيرية ومدح على لسان سيد البرية محمد صلى الله عليه وسلم بما قام به من هذا العمل الجليل ويأتي رجل إلى رسول الله فيقول : { يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال: أمك. قال ثم من ؟ قال: ثم أمك . قال ثم من ؟ قال: ثم أمك. قال ثم من ؟ قال: ثم أبوك ( ) ثم أدناك أدناك }( ).  فكان للأم هذه المنزلة الرفيعة ، ويأتي رجل يريد الهجرة لينتقل من مكة إلى المدينة قال: يا رسول الله جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان قال:{ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما }( ). ويأتي رجل يريد الجهاد في سبيل الله ليحظى بالشهادة ليدخل جنة عرضها السماوات والأرض( ). وليتزوج  باثنتين وسبعين من الحور العين( ) فلا يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم  بذلك لماذا ؟.
روى مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: { أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله قال فهل من والديك أحد حي ؟ قال نعم بل كلاهما قال فتبتغي الأجر من الله ؟ قال نعم قال فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما }( ).        فهذه نصوصٌ قوية تدل على عناية الله وعناية رسول الله صلى الله عليه وسلم بحق الأبوين مهما كان عند الأب من الإنحراف أو من الزيغ والضلال فليس ذلك بمسوغٍ أن يعق الأبناء آباءهم فإن من الناس من يعق أباه باعتبار أنه حرمه من بعض الشيء أو أنه قاسياً أو لسوء العلاقة بين الوالدين فتعصب لأمه مثلاً وما كان له ذلك أبداً فالأبوان تاجاً على الرأس لا يجوز أن يخفضا ولا أن ينزلا ولا أن يغلظا لهما في المقال قال سبحانه : { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)}[الإسراء:23ـ 24].
معاشر المسلمين :
إن من الأبناء من إذا تزوج ووجد الجديد نسي الأبوين إن من الأبناء من يعطي الرفقة والصحاب من البشاشة ما لا يعطيه للأبوين فإن كان عند الأب أو الأم فعبوسٌ ضجر فإن تكلم تكلم من الخيشوم أو لا يريد أن يتكلم أصلاً ، لكنه إن وجد الرفاق والصحاب هش لهم كثيراً حتى إن بعض الناس ربما أقام وليمة عقيقة أو ضيافة فيحرم الأب أو لا يدعيه للحضور لكنه يتشرف برفاقه عياذاً بالله من هذا العقوق فكان لزاماً على الأبناء أن يعرفوا حق الآباء ، أن يعرفوا أنه حق شرعي ولقد حذر الله وحذر رسول الله من عقوق الوالدين قال صلى الله عليه وسلم : { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر. ثلاثا قالوا بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين - وكان متكئا فجلس فقال - ألا وقول الزور وشهادة الزور.
 فما زال يكررها حتى قلنا ليته يسكت}( ). 
فبِرك لأبيك حفظ لذريتك وبركة في مالك يقول صلى الله عليه وسلم :{ من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه }( ).
 و{ خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقال له مه قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت بلى يا رب قال فهو لك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فاقرؤوا إن شئتم { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئغفرته ولا هماً إلا فرجته ولا ديناً إلا قضيته ولا عسيراً إلا يسرته اللهم أعطنا ولا تحرمنا اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار  اللهم إنا نسألك براً بآبائنا وأمهاتنا ونعوذ بك من عقوق أبنائنا وبناتنا ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأقم الصلاة .ك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [محمد:22ـ24 ] }( ).
فهل بعد هذا يا عباد الله نقرب الأبعدين على الأقربين ونهش للآخرين دون أن نهش للوالدين ، صحيح أن بعض الآباء عندهم من الحمق ومن الجهل دليل على قلة الفقه والعلم لكن ليس ذلك بمسوغ مهما كان لكن على الآباء أن يتقوا الله في أبنائهم وأن يدعو الله لهم بالصلاح والعافية وأن يسألوا لهم من الله سبحانه وتعالى الثبات.
 هذا رجل من الصالحين كان قائماً في الصلاة يصلي لله رب العالمين فبينما هو قائم يصلي نافلة فتأتي أمه العجوز فتقول له : يا جريج تريد أن يجيبها فيقول : يارب أمي وصلاتي فيدع أمه وشأنها ثم يقبل على الصلاة في ثلاثة أيام تناديه أمه وهو يقدم صلاة النافلة على بره بأمه وكان الأولى أن يخرج من الصلاة ليجيب أمه لأن هذا واجب والصلاة نافلة فغضبت أمه يوماً وقالت : يا جريج لا أماتك الله حتى تنظر في وجوه المومسات يعني في وجوه الزانيات فحصلت قصة لجريج اتهم بالزنا وكان منها براء لكن الله أراد أن يريه درساً فأخذ إلى السجن ومرّ بالمومسات نظر إليهن فتذكر خطيئته( ).
وهذا رجل من العلماء الكبار يقال له حيوة بن شريح  كان العلماء الكبار يحضرون عند ركبته ليأخذون من الفقه ومن الحديث ومن التفسير ومن أيام العرب يحضرون ويقصدونه من كل مكان فبينما هو في الدرس تأتي أمه على رؤوس هؤلاء الطلاب الكبار فتقول له : يا حيوة فيقول : لبيك يا أماه فتقول له : اذهب فأطعم الدجاج فيدع الطلاب ويخرج ليلبي طلب أمه فكان بعض الطلاب يتضايق من هذه الأم العجوز التي تخرج هذه اللؤلوة من هذه الحلقة ومن هذه الروضة العظيمة والقلعة المنيفة فيخرج من الدرس ليجيب أمه فقال لهم مرة : إن تدريسي لكم نافلة وطاعتي لأمي واجبة.
هكذا كان سلفنا رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وبهذا كان لهم القدح المعلى في جميع الأخلاق.
وهذا رجلٌ من الصالحين خرج في طلب المرعى فما رجع إلا وقد نام أبواه نام أبوه الكبير وأمه العجوز فحلب لهما شراباً من الإبل أو الغنم أو البقر من أجل أن يسقيهما فجاء وقد ناما فكره أن يوقظهما فوضع القدح على يده ولم يسقِ قبلهما ابناً ولا زوجة ولا أحداً من رعيته ولا من أقاربه حتى استيقظ الأبوان فشرب اللبن أو الحليب فدعا لهذا الابن فوقع الإبن مرة في كربة وذلك أنه نزل في غارٍ فانطبقت صخرة على باب الغار فقام الابن رافعاً أكف الضراعة ليتوسل بهذا العمل الصالح فقال { اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا ـ بمعنى أنه إذا حلب الشاة أو البقرة أو الناقة لا يقدم الأبناء ولا الزوجة ولا الرقيق على الأب والأم هذا عمل صالح عظيم ـ  فنأى بي طلب الشجر يوماً ـ يعني ذهب يرعى مكاناً بعيد ـ فأتيتهما وقد ناما فحلبت لهما غبوقهما فانتظرت استيقاظهما والصبية يتضاغون من الجوع تحت قدمي اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة ...}( ) ببركة بره لأبيه وأمه وخرجوا يمشون فبرك لأبيك أمان لك من الضياع وزيادة لك في المال وحفظ لك من الآفات كيف لا ؟ وأنت تؤدي حقاً من أعظم الحقوق فهناك بعض الأبناء ربما يقدم زوجته ربما يأتي بالشيء فلا يعلم به أبوه ولا تعلم به أمه أهم شيء أن تعلم بذلك حبيبة قلبه وسواد عينه وهكذا بعضهم ربما كما أسلفت رفقاؤه أو أبناؤه .
فيا أيها المسلمون : هذه الشعيرة العظيمة يجب أن تعود إلى أسرنا حتى يصلح الله أحوالنا وحتى تجاب دعواتنا وحتى يرضى عنا ربنا لأن نبينا صلى الله عليه وسلم يقول : { رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخطهما }( ).
 هناك من الأبناء من يكون بعيداً عن أبيه وأمه لكنه يطمئن عليهما بين الحين والآخر وإذا جاء من السفر يبدأ أولاً باحثاً عن أبيه وعن أمه إنه يرتفع بهذا في عين زوجته وفي عين رفقائه لأن الجزاء من جنس العمل إن عمل الأب هذا انتظرت الزوجة من أبنائها ذلك وهكذا الجزاء من جنس العمل .
اللهم بارك لي ولكم في القرآن العظيم وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم هذا ما قلته لكم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه :
عباد الله :
اتقوا الله سبحانه وتعالى حق التقوى والتمسوا رضاه واعلموا أنكم في شهرٍ مبارك فسلوا الله أن يبارك لكم في شعبان وأن يبلغكم رمضان هذا الشهر الذي يغفل عنه الكثير من المسلمين .
عباد الله :
ما هي إلا أيام قلائل ثم يفد على المسلمين ضيف عزيز لطالما اشتاقت نفوس الصالحين نفوس الصائمين المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها فهيؤوا أنفسكم لرمضان فبماذا نتهيأ ؟ بأي شيء نتهيأ لاستقبال ضيفنا ؟ إن أعظم شيء نتهيأ له هو الإيمان بالله وإخبار هذه النفس بأن الصوم يكون سبباً لمغفرة الذنوب { من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه }( ).
 فاستعدوا بالنية الصالحة استعدوا بالنية الصالحة واستعدوا بالفقه لأحكام ا

لصيام فلا ينبغي للمسلم أن يجهل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة إنه ركن من أركان الإسلام( ) فتفقهوا يا رعاكم الله وهكذا أيضاً تقربوا إلى الله بترك الذنوب والمعاصي والسيئات حتى يدخل رمضان وقد غفرت الذنوب ولا يكون كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم:{ رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له}( )  فهناك من الناس من لا يستعد لمثل هذا فيدخل رمضان وهو لا زال على إعراض ويخرج رمضان وهو لا زال على إعراض يا معاشر المسلمين فكأنها لحظة عشناها لقد صمنا رمضان وها هو يداهمنا رمضان مرة ثانية لكن طالعوا في صفحات التاريخ كم حصل من التغيرات فتأملوا إلى التغيرات العالمية وما حصل فيها هذا دليل على زوال هذه الدنيا وانقضائها فكيف يستقبل رمضان إخواننا في أرض العراق أو على أرض فلسطين أو في الأفغان في كثير من عالمنا الإسلامي إنها مأساة مرت بالمسلمين وهكذا ما حصل من حالة وفاة في كثير من بلدان الإسلام فعلى سبيل المثال حوادث المرور في عام أو أقل من عام في بلدنا أكثر من ثلاث آلاف حالة وفاة بسبب حوادث المرور وهناك أيضاً حالات كثيرة وربما كان هذا الرصد غير صحيح فهناك حالات كثيرة فاحمدوا الله أن أخركم لتصوموا رمضان مرة ثانية فوطنوا أنفسكم على التوبة على الإقلاع على العزم على عدم العودة إلى الذنب مرة 

                يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب     حتى عصاربه في شهــر شعبان
                لقـد أضلك شهـر الصـوم بعـدهـما     فلا تصيره أيضاً شهــر عصيـان
                واتلو الكتـاب وسبـح فيـه مجتــهداً                   فـإنــه شـهـــر تسـبـيــحٍ وقـــرآن
                كم كنت تعرف ممن صام فيسلف     مـن بيـن أهـل وإخـوان وجيـران
               أفنـاهم المـوت واستبقـاك بعـدهمـو               حيا فما أقرب القاصي من الداني 
فتوبة إلى الله وعودة إلى الله سبحانه وتعالى احمدوا الله سبحانه وتعالى على أن أخركم لتصوموا رمضان وإن الأعمار بيد الله وتقلبات الليالي والأيام كفيلة بأن تري الإنسان مصرعه وأن هذه الدنيا لا تدوم لأحدٍ أبداً
               لكل شيء إذا ما تم نقصان    فلا يغر بطيب العيش إنسان
             هيالأمور كما شاهدتها دول            من سره زمن ساءته أزمان( )
عباد الله :
هذا أمرٌ يجب أن يتفطن له وهو أن يكون استقبال رمضان بمثل هذا وذلك بالاستعداد التام وتوطين النفس على الطاعة ثم بالتوبة التوبة والرجوع الرجوع والنية الصحيحة لربما فقد الواحد منا قبل أن يبلغ شهر رمضان وكم قد فجعنا بأناس وطنوا أنفسهم للصيام لكنهم بعد ذلك لم يحظوا برمضان فإنها آجال ومقادير بيد الله سبحانه وتعالى .
أيها المسلمون :
وهنا تنبيه جاءنا بعض مدراء المدارس ويقول : كان من الواجب أن يكون تسجيل الطلاب قبل أسبوعين فيقول : نحن في المدرسة منذُ أسبوعين فما جاءنا الطلاب ولا جاءتنا الطالبات ولا جاءنا الآباء .
أيها المسلمون :
إن كثيراً من العالم نفر في العطلة الصيفية إلى أماكن بعيدة لكنهم كانوا يعلمون فترة العطلة ثم يعرفون زمن ابتداء الدراسة فهبوا راجعين في شوقٍ وسرعة من أجل أن يباشروا دوامهم ومن أجل أن يبدءوا في دراسة أبنائهم لكن لا حول ولا قوة إلا بالله لا زلنا في جهل وتخلف فينبغي للآباء أن يحرصوا على تسجيل أبنائهم وهكذا بناتهم وكذلك أيضاً يحرصوا على تعليمهم من بداية العام كفانا غشاً وكفانا بلاءً وكفانا جهلاً .
أيها المسلمون :
كذلك أيضاً مما ذكر لنا بعض إخواننا أننا نكون في خطبة الجمعة وهناك من يتكلم وقت ارتقاء الخطيب أو أن يمدّ بالمصحف أو أن يسلم على صاحبه ومثل هذه تبطل الجمعة .
تنبيه آخر :
وهو أن بعض الناس يأتي متأخراً إلى المسجد شغله القات أو شغله النوم على أن يوم الجمعة له برنامج خاص فلم لا يكون في المقدمة ؟ لما دائماً نكون متأخرين ثم هؤلاء آخر من يأتي وأول من يطرد من المسجد طرداً فالله أعلم يحافظون على السنة على أن من السنة أن تصلي بعد الجمعة أربعاً في المسجد أو أن تصلي ركعتين في بيتك فأقول :
أيها المسلمون :
متى نفقه ديننا متى نتعلم شريعتنا ؟ إن اليهود والنصارى يحرصون على فقه كتبهم المحرفة ونحن معاشر المسلمين آخر أمة وأفضل أمة ونبينا سيد الأولين والآخرين ونجهل سنته أعوذ بالله على أن الواحد منا فقيه في باب الدنيا لكنه في باب الآخرة وفي باب الدين والعلم تجده صفراً ولا حول ولا قوة إلا بالله فاستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم يقول سبحانه وتعالى:{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ. هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ. اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}[يس:60ـ 64]
 إلى آخر الآيات من آخر سورة يس )) .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم لا تدع لنا ذنباً إلاغفرته ولا هم الافرجته ولا دين الاقضيته ولا عسير الا يسرته ولا مريضا الاشفيته ولاحائجة من حوائج الدنيا الا قضيتها لنا يا ارحم الرحمين 

.