الحمد لله...
أيها الإخوة، للشيخ العلامة عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى رسالةٌ مطبوعةٌ، عظيمةُ النَّفْع، جليلةُ القَدْر بعنوان: "فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام"، لعلِّي إن شاء الله تعالى ألخِّص لكم بعضًا من تلك الفوائد في هذه الخطبة، وأُكمِل ما تبقَّى منها بإذن الله تعالى في خطبة أخرى.
أيها الإخوة، لقد خصَّ الله تعالى قصة يوسف عليه السلام بقوله: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ﴾ [يوسف: 7]، فيها آيات وعِبَر منوَّعة لكل مَنْ يسأل، ويريد الهدى والرشاد؛ لما فيها من التنقُّلات من حال إلى حال، ومن محنة إلى منحة ومنَّة، ومن ذلة ورِقٍّ إلى عِزٍّ ومُلْكٍ، ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وإدراك غايات، ومن حزن وتَرَح إلى سرور وفرح، ومن رخاء إلى جدب، ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه هذه القصة العظيمة، فتبارك مَنْ قصَّها، ووضَّحها وبيَّنَها.
فمن فوائد هذه السورة أن فيها أصولًا لعلم تعبير الرؤيا، فإن علم تعبير الرؤيا علمٌ عظيمٌ، والرؤيا الصحيحة هي إلهامات يُلهمها الله للروح عند تجرُّدها عن البدن وقت النوم، أو أمثال مضروبة يضربها الملك للإنسان ليفهم بها ما يُناسبها، وقد يرى الشيء على حقيقته، ويكون تعبيرُه هو ما رآه في منامه:
ولهذا لما حصل الاجتماع، ودخل أبوه وأمُّه وإخوته مصر، ورفع أبويه على العرش خرَّ الجميع له سُجَّدًا، قال يوسف متذكِّرًا ذلك تعبير رؤياه السابقة ﴿ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾ [يوسف: 100].
وهذه الغاية تستدعي وسائل ومُقدِّمات لا تحصل إلَّا بها؛ وهو العلم الكثير العظيم والعمل الصالح والإخلاص والاجتباء من الله، والقيام بحق الله وحقوق الخلق، فلهذا قال سبحانه في ذكر السبب الموصِّل لهذه الغاية الجليلة: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ﴾ [يوسف: 6].
وأما رؤيا الفتَيَينِ حيث: ﴿ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا ﴾ [يوسف: 36]، فتلطفوا ليوسف أن يُنبِّئَهما بتأويل رؤياهما؛ لما شاهدوا من إحسانه للأشياء، وإحسانه إلى الخلق، ففسَّر رؤيا مَنْ رأى أنه يعصر خمرًا بأنه ينجو من سجنه، ويعود إلى مرتبته وخدمته لسيِّده، فيعصر له العنب الذي يؤول إلى الخمر، وفسَّر رؤيا الآخر بأنه يُقتَل، ثم يُصلَب فتأكل الطير من رأسه.
فالأول: رؤياه جاءت على وجه الحقيقة، والآخر رؤياه جاءت على وجه المثال، وأنه يقتل ومع قتله يصلب، ولا يدفن حتى تأكل الطيور من رأسه، وهذا من الفهم العجيب والغوص إلى المعاني الدقيقة.
ومن كمال يوسف عليه السلام ونصحه وفطنته العجيبة أنهما لما قصَّا عليه رؤياهما، تأنَّى في تعبيرها، ووعدهما بتعبيرها بأسرع وقت، فقال:﴿ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ﴾ [يوسف: 37]، فوعدهما بتعبيرها قبل أول طعام يأتيهما من خارج السجن؛ ليطمئِنَّا ويشتاقا إلى تعبيرها، وليتمكَّن من دعوتهما؛ ليكون أدعى لقبول الدعوة إلى الله.
وأما رؤيا الملك، فإنه رأى سبع بقرات سِمان يأكلهن سبع بقرات عِجاف، وسبع سُنبلات خُضْر يأكلهن ويستولي عليهن سبع سنبلات يابسات ضعيفات، فهالته وجَمَعَ لها كُلَّ من يظنُّ فيه المعرفة، فلم يكن عند أحد منهم علمٌ بتعبيرها، وقالوا: ﴿ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ﴾ [يوسف: 44].
وبعد هذا تفطَّن الذي خرج من السجن لحالة يوسف، فلما جاء يوسف قال له: يا ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ﴾ [يوسف: 46].
ففي الحال فسَّرها يوسف صلى الله عليه وسلم، وزادهم مع التفسير حسن العمل بها وحسن التدبير؛ فأخبرهم أن البقر السِّمان والسنابل السبع الخُضْر هي سنون رخاء وخصب متواليات، تتقدَّم على السنين المجدبات، وأن البقر العجاف والسنابل اليابسات سنون جدب تليها، وإن بعد هذه السنين المجدبات عامًا فيه يُغاث الناس، وفيه يعصرون، وإنه ينبغي لهم في السنين المخصبات أن ينتهزوا الفرصة، ويعدوا العدة للسنين الشديدات، فيزرعون زروعًا هائلة أزيد بكثير من المعتاد.ثم اعلم أن رؤيا الملك وتعبير يوسف لها، وتدبيره ذلك التدبير العجيب من رحمة الله العظيمة على يوسف، وعلى الملك وعلى الناس، فلولا هذه الرؤيا وهذا التعبير والتدبير، لهجمت على الناس السنون المجدبات قبل أن يعدُّوا لها عِدَّتها، فيقع الضرر الكبير على الأقطار المصرية وعلى ما جاورَها.
ومن فوائد هذه القصة - أعني: قصة يوسف عليه السلام - أنه يتعيَّن على الإنسان أن يعدل بين أولاده، وينبغي له إذا كان يحبُّ أحدهم أكثر من غيره أن يخفي ذلك مهما أمكنه، وهذا ظاهر في قولهم: ﴿ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يوسف: 8] ﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 9].
ومن فوائدها: الحثُّ على التحرُّز ممَّا يخشى ضرره؛ لقوله: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ﴾ [يوسف: 5].
ومن الفوائد: أن بعض الشر أهونُ من بعض؛ فحين اتَّفقوا على التفريق بين يوسف وأبيه، ورأى أكثرهم أن القتل يحصل به الإبعاد الأبدي، ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ [يوسف: 10]، فخفَّف به بعض الشر عنهم.
ومن الفوائد: أن العبرة في حال العبد بكمال النهاية لا بنقص البداية؛ وذلك لأن إخوة يوسف عليه السلام جرى منهم ما جرى من هذه الجرائم؛ لكن في آخر أمرهم ونهايته تابوا إلى الله، وطلبوا السماح من أخيهم يوسف ومن والديهم الاستغفار، فحصل لهم السماح التامُّ، والعفو الكامل، فعفى الله عنهم، وأوصلهم إلى الكمال اللائق بهم.
ومن الفوائد: أن الإخلاص لله تعالى أكبرُ الأسباب لحصول كل خير، واندفاع كل شرٍّ؛ كما قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24].
ومن الفوائد: ما دلَّتْ عليه القصة من العمل بالقرائن القويَّة من عدة وجوه؛ منها حين ادَّعَتِ امرأةُ العزيز أن يوسف راودَها، وقال: هي راودَتْني عن نفسي، فشهد شاهدٌ من أهلها؛ أي: حكم حاكمٌ بهذا الحكم الواضح، وكانت قد شقَّت قميص يوسف وقتَ مراودتها إيَّاه: ﴿ إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [يوسف: 26]؛ لأنه يدل على إقباله عليها، وأن المراودة صادرةٌ منه، ﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [يوسف: 27]، فكان هذا هو الواقع؛ لأنها تريده، وهو يفرُّ منها ويهرب عنها، فقدَّتْ قميصه من خلفه، فتبيَّن لهم إنها هي المراودة في تلك الحال، وبعد ذلك اعترفت اعترافًا تامًّا؛ حيث قالت: ﴿ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ [يوسف: 51، 52].
ومن العمل بالقرائن وجود الصواع في رَحْل أخيه، وحكمهم عليه بأحكام السرقة لهذه القرينة القوية.
ومن الفوائد: أنه ينبغي للعبد أن يبتعد عن أسباب الفتن، ويهرب منها عند وقوعها، كما فعل يوسف حين راودَتْه امرأة العزيز.
ومن الفوائد: ما عليه يوسف صلوات الله عليه من الجمال الظاهر الذي أخذ بلُبِّ امرأة العزيز وشغفها حبًّا، وحين رأتْهُ النسوة قطَّعْنَ أيديهن وأكْبَرْنَه، وقُلْنَ: ﴿ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ [يوسف: 31]، ومن الجمال الباطن؛ وهو العِفَّة والإخلاص الكامل والصيانة.
ومن الفوائد: أنه ينبغي للعبد أن يلتجأ إلى الله عند خوف الوقوع في فتن المعاصي والذنوب، مع الصبر والاجتهاد في البعد عنها، كما فعل يوسف ودعا ربه، قال:﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33]، وإن العبد لا حول ولا قوة ولا عصمة له إلا بالله، فالعبد مأمور بفعل المأمور، وترك المحظور والصبر على المقدور مع الاستعانة بالملك الشكور.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي، ولكم من كل ذنب.
الخطبة الثانية
الحمد لله.
أيها الإخوة، ومن فوائد قصة يوسف عليه السلام: أن استعمال الأسباب الواقية من العين أو غيرها غير ممنوع؛ بل جائزٌ ومستحبٌّ بحسب حاله، وإن كانت جميع الأمور بقضاء الله وقدره، بشرط أن يفعل العبد الأسبابَ وهو معتمد على مُسبِّبها؛ لأن يعقوب عليه السلام حين أراد أن يوصي بنيه لَمَّا أرسل بنيامين معهم قال: ﴿ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ [يوسف: 67].ومن الفوائد: جواز استعمال الحيل والمكائد التي يتوصَّل بها إلى حقٍّ من الحقوق الواجبة والمستحبَّة أو الجائزة، كما استعمل يوسف ذلك مع أخيه؛ حيث وضع السقاية في رحل أخيه، ثم أذن مُؤذِّن بعد رحيلهم ﴿ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ [يوسف: 70] إلى قوله: ﴿ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ﴾ [يوسف: 76].
ومن الفوائد: استعمال المعاريض عند الحاجة إليها؛ فإن في المعاريض مندوحة عن الكذب، وذلك من وجوه؛ منها قوله: ﴿ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ ﴾ [يوسف: 76]، ولم يقل سرَقَها وكذلك قوله: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ ﴾ [يوسف: 79]، ولم يقل: من سرق متاعنا، وإذا قيل: إن هذا اتهام للبريء، قيل: إنما فعل ذلك بإذن أخيه ورضاه، وإذا رضي، زال المحذور.
ومن الفوائد: أن الإنسان لا يحلُّ له أن يشهد إلَّا بما يعلم؛ لقولهم: ﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ [يوسف: 81]، وإن العلم يحصل بإقرار الإنسان على نفسه وبوجود المسروق ونحوه معه، وفي يده أو رحله.
ومن الفوائد: هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيَّه وصفيَّه يعقوب عليه السلام؛ حيث قضى بالفراق بينه وبين يوسف هذه المدَّة الطويلة، التي يغلب على الظنِّ أنها تبلغ ثلاثين سنة فأكثر، وهو في هذه المدة لم يفارق الحزن قلبه، وهو دائم البكاء حتى ابيضَّتْ عيناه من الحزن، وفقَدَ بَصَرَه وهو صابرٌ لأمر الله، محتسب الثواب عند الله، قد وعد من نفسه الصبر، ولا شك إنه وفى بذلك، ولا ينافي ذلك قوله: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86]، فإن الشكوى إلى الله لا تُنافي الصبر؛ وإنما ينافي الصبر الشكوى إلى المخلوق.
ومن الفوائد: أن الفرَج مع الكرب، فإنه لما اشتدَّ الكرب بيعقوب وقال: ﴿ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ﴾ [يوسف: 84]، قال: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، وهم حين دخلوا على يوسف، وقفوا بين يديه موقف المضطر، فقالوا: ﴿ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ ﴾ [يوسف: 88]؛ أي: قليلة حقيرة، لا تقع الموقع، فأوْفِ لنا الكيل ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ [يوسف: 88]، فحينئذٍ لما بلغ الضُّرُّ مُنتهاه من كل وجه عرَّفهم بنفسه، فحصل بذلك البشارة الكبرى لأبويه وإخوته وأهلهم، وزال عنهم الضُّرُّ والبأساء، وخلفه السرورُ والفرحُ والرخاءُ.
أيها الإخوة، هذه بعض فوائد تلك القصة، وللحديث بقية عن فوائدَ أخرى، إن شاء الله تعالى.
عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].