كيف تصوم رمضان ؟ رمضان موسم لتجديد التوبة

كيف تصوم رمضان ؟ رمضان موسم لتجديد التوبة



الخطبة الأولى: 
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له لا رب لنا سواه ولا نعبد إلا إياه ولا نثق إلا بما عنده تبارك وتعالى في السماء ملكك وفي الأرض سلطانك وفي الجنة رحمتك وفي النار سطوتك وعذابك عز جاهك يا ألله وتقدست أسماؤك يا ألله أنت الواحد القهار أنت على كل شيء قدير  
                    فيا عجباً كيف يعصى الإله ؟                     أم كيف يجحده الجاحد      
                   وفــي كـل شـــيء لــه آيـــةٌ           تـدل علــى أنــه واحـد( )
                                         *    *     *    *     *
             وأغض طرفي عن سواك فلم أرى   في الكون غيرك من إله يعبدُ
             يا مـن لـه عنـت الوجــوه بأسـرها   ولــه جميــع الكائنـات توحـدُ 
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة أنار الله به عقول البشرية وزلزل به كيان الوثنية فكانت أمته خير الأمم وكان هو خاتم الأنبياء والمرسلين : 
معاشر المؤمنين الصائمين : إن من فضل الله علينا معاشر المسلمين أن كنا من أهل الإيمان والإسلام ومن أمة محمدٍ عليه الصلاة والسلام فو الله إنك لفخورٌ جداً يوم أن تكون النسبة إلى هذا النبي الكريم ، كيف لا تريد أن تكون منتسباً إليه وهو صاحب الحوض المورود والمقام المحمود والشفاعة العظمى أول من ينشق عنه قبره ، وأول من يفيق وأول من يقعقع حلقات الجنة فيقول خازنها : من ؟ فيقول : محمدٌ يقول : أمرت أن لا أفتح لأحدٍ دونك( ). 
معاشر المسلمين : إن منن الله عز وجل علينا عظيمة منن ظاهرة وباطنة وإن من النعم الظاهرة والباطنة أن جعلنا الله مؤمنين إنها نعمةٌ عظمى قال جل وعلا :{ َكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناًٌ }[المائدة3 ]. نعمة الإيمان والإسلام هي أعظم النعم 
              إذا الإيمـان ضـاع فلا حيــاةٌ    ولا دنيا لمن لم يحي ديناً 
              ومن رضي الحياة بغير دين     فقد جعل الفناء لها قرينا( ) 
معاشر المؤمنين : 
وإن من نعم الله عز وجل أن جعل شهر رمضان هو أحد أركان الإسلام تلكم الأركان الخمسة هذا هو أحد أركانها صوم شهر رمضان رتب الله سبحانه وتعالى منافع ظاهرة وباطنة منافع حسية ومعنوية من جراء الصوم يقول سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[البقرة183] فأبرز منافع الصوم تحقيق التقوى في قلوبنا لتصلح هذه القلوب وتزكو هذه النفوس وتتربى هذه العقول وتستجيب هذه الجوارح في هذا الشهرالمبارك أضف إلى ذلك ما رتبه الله سبحانه وتعالى من رحمته بالصائم وعتقه من النار وغفرانه للذنوب والسيئات والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة وما كان من منافع دنيوية من صحة الأبدان والأجسام ومن أجل أن يتذكر الصائمون إخوانهم الجوعى هذه المنافع إنما تتحقق للصائمين القانتين وإنه يا معاشر المسلمين إن الكثير من الناس ربما يجهل بعض أحكام الصيام يجهل الكثير من المسلمين أحكام الصوم يظن أن الصوم مقتصر على أن يترك الطعام والشراب فقط على أن الصيام إنما هو أولاً صوم القلب عن الخنا وعن النوايا التي تغضب الله سبحانه وتعالى 
              صيـام العارفيــن لـه حنيـنٌ    إلى الرحمن رب العالمين 
              تصوم قلوبهم في كل وقت    وبالأسحار هم يستغفرون 
فالمسلم يجب عليه إن دخل شهر رمضان برؤية الهلال أو بإكمال شعبان ثلاثين يوماً أن يصومه كما قال الله في كتابه الكريم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }[البقرة185]. هذا أمر إيجاب وهكذا.
يسأل نبينا عن الإسلام فيأتي بأركان الإسلام ويذكر منها صوم شهر رمضان فالمسلم البالغ العاقل المقيم يجب عليه أن يصوم إن توفرت فيه هذه الأربعة الشروط أن يكون مسلماً عاقلاً أي ليس بمجنون ومسلماً أي ليس بكافر بالغاً أي أن الصغير لا يلزمه الصوم وإنما من باب التدريب والتعليم ومن أجل أن يألفه  
                وينشـأ ناشـئ الفتيان فينا    على ما كان عوده أبوه
                وما دان الفتى بحجاً ولكن    يعلمـه التديــن أقــربوه ( )
فلقد قالت الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار:{ من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم. قالت فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار}( ).
 فإذا بلغ المسلم في رمضان وجب عليه أن يمسك وعلامة ذلك الإحتلام أو بلوغ خمسة عشر عاماً أو الإنبات والمراد به الشعر الخشن حول الفرجين ، فإذا تحصلت هذه الشروط الثلاثة يكون بهذا المسلم بالغاً ويضاف إلى الأنثى شرطاً رابعاً وهو الحيض ولو حاضت البنت قبل خمسة عشر عاماً وجب عليها أن تصوم إلا أن كثيراً من الناس ربما أمر ابنه أن يفطر أو ابنته مع بلوغه خشية عليه من المرض والله تبارك وتعالى أرحم بعباده من الأبوين أرحم بعباده من أنفسهم فإنه سبحانه لا يكلف إلا ما يطاق يقول سبحانه : { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }[البقرة286]. 
فالله أعلم بمصالح العباد من أنفسهم وأما الشرط الرابع فهو الإقامة فالمسافر لا يجب عليه الصوم إلا إن أراد أن يصوم وكان قوياً في ذلك فلا بأس أن يصوم ولو أفطر فلا حرج هذه الأربعة الشروط يجب على المسلم معرفتها فإذا دخل شهر رمضان علم أن لهذا الشهر حرمة وأن له مزية وأن له إعظام وإجلال وإكبار يجب أن يعظمه في قلبه وأن يعظمه في مجتمعه قال ربنا سبحانه: { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }[الحج32] وجب أن نعظم ما عظم الله وجب أن نرفع ما رفع الله وأن نحترم ما أمر الله به أن يحترم مثل هذه الليالي والأيام أيام وليالي شهر رمضان وجب على المسلم أن يعلم أن لها قداسة ولها حرمة ولها شعيرة عظيمة يجب عليه امتثالها . 
وأما ما يتعلق بالصيام فهو عبارة عن الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هذا ما يتعلق بالصيام شرعاً وهناك مبطلات تبطل هذا الصوم إن أتى المسلم واحداً من هذه المبطلات صار صومه فاسداً كما ستسمعون تفصيل ذلك إن شاء الله . 
* أما ما يتعلق بمبطلات الصيام:
1, 2ـ  فالأكل والشرب عمداً وما يقوم مقام الطعام والشراب كالحقن المغذية التي يتغذى بها المسلم فيستغني بها عن الطعام والشراب فهي تقوم مقامهما تماماً يفطر الصائم بالطعام والشراب عمداً إن أكله في شهر رمضان أما إن أكل ذلك أو شربه نسياناً فلا حرج عليه وعليه أن يتم صومه فإن الله أكرمه بالطعمة والسقيا جاء في حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من نسي و هو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله و سقاه }( ). 
فمقتضى هذا الحديث منطوق هذا الحديث أن من أكل أو شرب ناسياً فلا جناح عليه ومفهوم الحديث أن من أكل أو شرب في رمضان متعمداً فإنه يفطر وعليه القضاء والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى وهكذا القرآن الكريم يدل دلالة واضحة على ذلك قال جل وعلا في كتابه الكريم: { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ }[البقرة187]
 وقد جاء في البخاري أن عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه أخذ شراكاً أبيض وشراكاً أسود خيطاً أبيض وآخر أسود فكان يأكل ويشرب حتى يتبين له هذا من ذا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له : { إنك لعريض الوسادة أو لعريض القفا وإنما المراد بذلك بياض النهار وسواد الليل }( ) فالمراد بذلك طلوع الفجر الصادق كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : { إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. ثم قال : وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت }( ).أي طلع الفجر.
 فإذا أذن المؤذن لصلاة الفجر الأذان الثاني هناك وجب على المسلم أن يمسك فإذا ما غربت الشمس وأذن المسلمون في مساجدهم هناك دخل زمن الإفطار ولا ينبغي للمسلم أن يخالف المسلمين أن يفطر قبل المسلمين أو أن يتأخر إلى أن يسمع أذان صنعاء مثلاً أو أذان الحرم فإن لكل بلد ميقات وأنت تتابع ميقات أهل بلدك وهناك في التحديد الزمني ما يكون الفارق إما ساعة أو النصف منها أو الربع منها أو أقل أو أكثر من ذلك فأنت عليك بالتزام ما عليه إخوانك المسلمون ، هذان الأمران من أهم ما يجب على المسلم معرفته وهو ما يتعلق بالطعام والشراب وهكذا ما يقوم مقام الطعام والشراب.
3ـ ومن المفطرات الاستقاءة عمداً وذلك أن يطلب التقيؤ عمداً جاء في الحديث الذي رواه أحمد وغيره وصححه الألباني كما في إرواء الغليل يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{ من ذرعه القيءـ وهو صائم ـ  فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض }( ) يعني من غلبه القيء فتقيأ فهنا لا قضاء عليه فإن هذا ليس بمقدوره { ومن استقاء فليقض} أي من طلب التقيؤ فقاء هنا وجب عليه أن يتوب وأن يقضي مكان ذلك اليوم فإنه في عداد المفطرين وإذا تقيأ هل له أن يأكل ؟ إن كان مريضاً له أن يفطر وأن يأكل وإن كان ليس بمريض وجب عليه أن يمسك لحرمة الشهر ولا يخالف المسلمين وما هم عليه بل كان فيما مضى من الزمان في ظل الخلافات الإسلامية كان حكام المسلمين يمنعون اليهود والنصارى من أن يأكلوا أو يشربوا في نهار رمضان لماذا ؟ لأنه يجب على هؤلاء أن يحترموا شعائر المسلمين ودين المسلمين فإن كانوا كفاراًفلا يأكلوا في النهار أمام المسلمين ولا بأس أن يستتروا فإنهم كفار فهم مطالبون بالإسلام أولاً على أن من المسلمين من ربما يأخذ الماء فيشربه أمام المسلمين جهاراً ولا حول ولا قوة إلا بالله . 
4ـ المبطل الرابع من مبطلات الصيام : الجماع ومقدمات الجماع يقول الله تبارك وتعالى :{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ }[البقرة187].
 فلقد أباح الله في هذه الآية أن يأتي الرجل زوجته امرأته الحلال ليلاً من أجل ابتغاء الولد أو غير ذلك له أن يأتي زوجته الحلال وعليه أن يمتنع من ذلك في نهار رمضان فإن اقترب منها فأصابها فقد جاء باباً من أبواب الكبائر فيلزمه أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً أن يندم وأن يقلع وأن يعزم أن لا يعود إلى الذنب ويترتب عليه كفارة مغلظة يسميها الفقهاء بكفارة الظهار وهو أن يعتق رقبة مؤمنة قادرة على العمل أو أن يصوم شهرين متتابعين أو أن يطعم ستين مسكيناً جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:{ بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكت . قال : " مالك ؟  قال : وقعت على امرأتي وأنا صائم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل تجد رقبة تعتقها ؟ ( يعني هل تستطيع أن تشتري عبداً أو أمة فتحرره ؟ ) . قال : لا.
 قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟  قال : لا . قال: هل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ ( أي: تجمع ستين مسكيناً من الفقراء والمساكين فتطعمهم ؟ ) قال : لا . قال: ( له الصادق المصدوق الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم ): اجلس ومكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر والعرق المكتل الضخم. ( بمكتل من تمر رطب هذا البلح وهو لا زال طازجاً من الشجرة أتي به للنبي صلى الله عليه وسلم فـ) قال: أين السائل ؟  قال: أنا. قال: خذ هذا فتصدق به. فقال الرجل : أعلى أفقر مني يا رسول الله ؟ فوالله ما بين لابتيها يريد ا لحرتين أهل بيت أفقر من أهل بيتي . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: أطعمه أهلك }( ). فسقطت الكفارة عن هذا الرجل لعجزه وإلا فهي تلزم المستطيع فمن جامع أهله في نهار رمضان تترتب عليه هذه الكفارة المغلظة فعليه أن يطعم ستين مسكيناً أو أن يصوم شهرين متتابعين وعليه التوبة وعليه أن يقضي يوماً مكان ذلك اليوم جاء في حديث آخر لفظة توافق هذا الحديث قال : {واقض يوماً مكانه }( ) لا بد من قضاء يوم مكان هذا اليوم . 
5ـ ومن نواقض ومفسدات الصيام : الإستمناء وما هو في مقام الإستمناء وهكذا ما يتعلق بإخراج المني بأي صورة وبأي شكل وبأي نوع يكون الطالب له صاحبه لا يكون هذا المني خروجه عفوياً كأن ينام الصائم في رمضان فيحتلم وهو نائم هو نام في نهار رمضان فاحتلم فهنا لا شيء عليه هذا من الله تبارك وتعالى فعليه أن يغتسل للجنابة وأن يتوضأ وأن يواصل صومه وصومه صحيح ولا جناح عليه ، لكن لو طلب منيه فأخرجه بيده أو بأي شيء آخر أو أن ينظر إلى بعض الأفلام أو أو إلى آخره فهنا كثير من الفقهاء كالأئمة الأربعة الإمام مالك والشافعي وأبو حنيفة والإمام أحمد يذهبون إلى بطلان صومه ولهم في ذلك دليلان دليل نقلي ودليل نظري قياسي أما الدليل النقلي فيستدلون بما في حديث أبي هريرة في الصحيحين أن الله تبارك وتعالى قال : { يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي }( ).
 أي خوفاً من الله فالصائم في رمضان ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله سبحانه وتعالى وهذا الذي استمنى وعبث بنفسه هذا لم يحترم حرمة الشهر ولم يكن خائفاً من الله سبحانه وتعالى هذا ما يتعلق بالدليل النقلي, 
وأما ما يتعلق بالدليل النظري القياسي فقاسوا ذلك على الإحتجام فإن الحجامة إن كانت مضعفة للصائم فالقول الصحيح من أقوال أهل العلم أنه يفطر بذلك إن احتجم أو سحب منه الدم تبرع بدم لشخص آخر فأصيب بالضعف وجب عليه أن يفطر فقالوا : إن كان هذا يؤدي إلى الإفطار فإن خروج المني أيضاً يضعفه فيكون عن طريق القياس يدل دلالة صحيحة على بطلان صيامه وهذا الذي ذكرناه يضاف إليه ما يتعلق بالحيض والنفاس إن خرج من المرأة حيض أو نفساء في نهار رمضان وجب عليها أن تفطر وعليها القضاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم }( ).      هذا أمر الله سبحانه وتعالى هذا الذي ذكرناه يستوي فيه العالم والجاهل والصغير والكبير والعربي والأعجمي من المسلمين هم جميعاً على حدّ سواء لكن يشترط في ذلك العلم ويشترط في ذلك الإرادة ويشترط في ذلك التعمد ويشترط في ذلك العمد ويشترط في ذلك أيضاً الذكر أن يكون ذاكراً وأن يكون مريداً مختاراً بمعنى لو أن شخصاً أجبره على أن يفطر هدده بقتل وما شابهه على أن هذا ليس بحاصل في أيامنا هذه لكنه لو حصل ما كان هذا مفطراً لأنه لم يرد الإفطار من قلبه هو ما أراد الإفطار وهكذا من ارتكب شيئاً جاهلاً لا يعلم فوجب عليه أن يواصل صومه لأن حدّ ذلك العلم قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }[الإسراء15 ].
وقال الله تبارك وتعالى : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }[البقرة286].
 ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه }( ).    هناك أمورٌ ليست بمفطرة بعض المسلمين يظنونها من المفطرات مثال ذلك على سبيل المثال : ضرب الإبر التي لا يقصد بها الغذاء سواء كانت في الأيدي أو في العضل لا تؤثر لأنها ليست في مقام الغذاء ولو أخرها إلى الليل أو استعملها عند الإمساك وعند الإفطار يكون حسناً ويكون هذا عبداً متورعاً وهكذا ما يتعلق باستعمال قطر العين والأذن وهكذا ما يتعلق بتذوق الطعام إن احتاج إلى ذلك وما يتعلق بالإغتسال والتبرد واستعمال السواك والغبار وكذلك استعمال العطور والبخور ما لم يستنشقه هذه لا تفطر ولو احترز المسلم منها في نهار رمضان لكان خيراً له .
 الذنوب والمعاصي بشكل عام هي محرمة في رمضان وفي غير رمضان وجب على المسلم أن يحترز منها وأن يحفظ صيامه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه }( ).ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم : { رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر }( ).
 فكم من المسلمين من يعمل أعمالاً لكنه يخربها بالغيبة بالنميمة بهتك الأعراض بالنظر إلى التلفزيونات إلى الصور العارية ، يعني ربما يسرف في الأموال ربما يطلق بعض الألفاظ فهذا الصوم يجب على المسلم أن يحفظه أن يحفظ هذا العمل حتى يكون صومه مقبولاً يقول صلى الله عليه وسلم : { للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه }( ).في ذلك اليوم العظيم يأتي هذا الصيام الذي أنت تكابده طول النهار يأتي و يشفع لك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{ الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام : أي رب إني منعته الطعام و الشهوات بالنهار فشفعني فيه يقول القرآن : رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان }( ). يعني أن شفاعته تقبل. لكن متى ؟ إذا كان هذا الصيام مقبولاً قد حافظ عليه صاحبه من الخنا ومن قول الزور ومن كل باطل يكون نافعاً لصاحبه أما إذا كان يعمل عملاً صالحاً ثم بعد ذلك يردفه بآخر سيئاً أو أنه طول النهار يصوم لكنه في الليل يعمل الموبقات هذا يتعب نفسه, وجب عليه أن يراقب الله وأن يخاف الله سبحانه وتعالى وأن يعلم أن اليوم عمل وغداً حساب ولا عمل وأن الدنيا قد ترحلت مدبرة وأن الآخرة مقبلة,
 ويجب عليه أن يعلم أنه في كل يوم يقدم من الله وأن شهر رمضان هو اختبار وامتحان إما أن يكرم أو يهان يقول صلى الله عليه وسلم :{ رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له }( ). 
اللهم بارك لي ولكم في القرآن العظيم وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، هذا ما قلته لكم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم فاستغفروه يغفر لكم . 
الخطبة الثانية: 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه : 
معاشر المؤمنين : إذا كان المسلم يصوم في نهار رمضان وقد رتب الله سبحانه وتعالى على ذلك أجراً ورفعة له فهو مطالبٌ أيضاً بالقيام فشهر رمضان هو شهر الصيام والقيام اسمع إلى هذا الحديث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم : { من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه }( ). 
 قيام رمضان أمرٌ شرعه الله وسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قيام الليل فريضة في حق نبينا على مدار العام ليس في رمضان فحسب قال ربنا سبحانه : { يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} أي قيام الليل { هِيَ أَشَدُّ وَطْئا وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)}[المزمل: 1ـ6]. 
فكان نبينا قد أوجب الله عز وجل عليه قيام الليل بمقتضى هذه الآية وآية أخرى من سورة الإسراء : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }[الإسراء79].
 وكان نبينا يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فتقول له عائشة : يا رسول الله تعمل هذا بنفسك وقد غفر ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول : { أفلا أكون عبداً شكوراً }( ).
اسمعوا إلى هذا الحديث الغريب حتى نقارن بينه وبين أعمالنا بين ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المنزلة الرفيعة عند ربه وما كان له من المقامات وما كان يقوم به من الأعمال وتأملوا في حالنا نحن البسطاء في آخر الزمان لا حول ولا قوة إلا بالله ، جاء في صحيح البخاري أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : {صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه }( ).
 هذا حال نبينا وقد كان يقوم من الليل بأحد عشر ركعة يقرأ قراءة مترسلة هادئة مرتلة فما بال أكثر المسلمين يعزفون عن مثل هذه الأجور ألا ترضى أن يغفر لك الذنوب يا أيها المسلم يقول نبيك صلى الله عليه وسلم : { من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه }( ).
 ويقول نبينا لمعاذ بن جبل: { ألا أدلك على أبواب الخير ؟ : الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } { حتى إذا بلغ } { يعملون }[السجدة:16ـ 17] ( ).
وهذا عبد الله بن رواحة( ) يصور حال النبي صلى الله عليه وسلم وما كان فيه من العبادة والتقدم في هذا الباب فيقول : 
               وفينا رســول اللـه يتلو كتابه    إذا انشق معروف من الفجر ساطع 
              أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا    بــه مـوقـنـــات أن مـا قــال واقــع
              يبيت يجافي جنبه عن فراشه   إذا استثقلت بالمشــركيـن المضاجع( ) 
من المسلمين من إذا أملأ معدته طعاماً ثقل عن القيام ، من الذي أمرك بهذا ؟ إن علماء الطب وعلماء الشرع ينصحون بعدم ذلك ، لا بد أن يكون فطورك خفيفاً وعشاؤك خفيفاً فلا تعطي المعدة في بداية أمرها ما يصدها عن الطعام وما يصدها عن الحركة وما يثقل هذا البدن إن خير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم فلقد كان يفطر على رطيبات فإن لم يكن فعلى تميرات فإن لم يكن حسى حسوات من ماء ، ثم صلى المغرب ثم أكل ما تيسر فإذا أذن العشاء صلى العشاء ثم قام فصلى هذا هدي نبينا صلى الله عليه وسلم ما هناك ما كان ينازعه لا تلفزيونات ولا أكل القات من المسلمين حرموا عن صلاة القيام إما بسبب التخزين أو بسبب التلفزة أو بسبب أعمال مباحة وبعض أعمالٍ والله ليست بأعمال اضطرارية ربما كان نوم سهر ربما كانت دردشة ليست فيها أي فائدة . 
يا أيها المسلم : عليك أن تعلم أن شهر رمضان هو شهر الصيام والقيام هكذا درج الأسلاف من أصحاب رسول الله ومن بعدهم من الصالحين 
           كن كالصحابة في زهد وفي ورع    القوم هم ما لهم في الناس أشباه 
           عبــاد ليــل إذا جـــن الظـلام بـهم    كـم عـابدٍ دمعه فـي الخـد أجراه 
هؤلاء هم أصحاب رسول الله وهؤلاء هم الصالحون إلى يومنا هذا فالزموا طريق الرشد ترشدوا يا عباد الله واعلموا أن هذه الأيام والليالي نفحات ومسابقات فإياك أن تسبق إلى خير فالله أعلم هل أنت ستعمر حتى توفق لأن تكون من الصائمين أم سيقضى عليك فلا توفق لأن تكون من الصائمين مرحلة آخرة فاتق الله أيها المسلم واعلم أن هذه الدنيا من أولها إلى آخرها لا تسوى عند الله جناح بعوضة وأن الحياة هناك هي جنات النعيم يقول سبحانه : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)}[الذاريات: 15ـ 19].
 ويقول سبحانه: { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ }[الحشر20].
هم الفائزون في الدنيا وهم الفائزون في الآخرة فاتق الله أيها المسلم في شهرك في يومك وفي ليلك وفي حركاتك وفي سكناتك وفي لسانك وفي جوارحك وفي قلبك وعقلك واعلم أنك محاسبٌ على ذلك كله . 
أسأل الله بمنه وكرمه وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا من عباده الصالحين وأن يرفع درجاتنا في المهديين وأن يكتبنا من الصائمين القائمين الفائزين ومن عتقاء هذا الشهر الكريم وأن يغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين وأن يرينا الحق حقاً فيرزقنا اتباعه والباطل باطلاً فيرزقنا اجتنابه ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا إنك أنت الله على كل شيء قدير وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه وأقم الصلاة .

.