واستعينوا بالصبر والصلاة

واستعينوا بالصبر والصلاة

الخطب المنبرية للشيخ الفاضل ابي الحسن المطري حفظه الله 
الخطبة الأولى: 
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوكل عليه ونعمل لرضاه 
             فليتـك تحـلو والحيــاة مـريــرة    وليتك ترضى والأنام غضاب
            وليت الذي بينـي وبينـك عامـر    وبينـي وبيـن العالمين خـراب 
           إذا صح منك الود يا غاية المنى    فكل الذي فوق التراب تــراب 
في السماء ملكك وفي الأرض سلطانك وفي الجنة رحمتك وفي النار سطوتك وعذابك أنت على كل شيء قدير وأنت رب الطيبين وأنت إله الأولين والآخرين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين وحجة على الناس أجمعين أنار الله به عقول البشرية وزلزل به كيان الوثنية كانت أمته خير الأمم وكان هو بأبي وأمي خير الأنبياء والمرسلين 
              بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا    من العناية ركناً غير منهـدم 
              لمـا دعـا الله داعـينـا لطـاعـتـه    بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم 
أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه وتعالى وبالإستقامة على الأمر والنهي قال سبحانه : 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }[آل عمران: 102].
 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }[ النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }[ الأحزاب70 ـ 71].
أما بعد : 
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
معاشر المؤمنين السامعين : 
هذا نداء من رب العزة والجلال لكم يا معاشر المؤمنين يناديكم بألطف النداءات وأحسنها إنه يشرفكم بهذا النداء ثم بعد ذلك يوجه إليكم من خلال هذا النداء يوجه لكم أمرين اثنين ثم يختم ذلك بخبر فهو أصدق القائلين{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً }[النساء122].
يقول المولى سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة153].
 فهل سمعتم يا رعاكم الله بمثل هذا الخطاب المبارك إنه خطاب من رب الأرض والسماء هذا الخطاب للمؤمنين المتابعين لمنهج محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يناديهم بهذا النداء المبارك وهو يعلم بما يصلحهم وبما يكون لهم خير في الدنيا والآخرة فيناديهم بهذا النداء ثم يأمرهم بالاستعانة بأن يكون لهم عون على الطاعة وعون على نوائب الدهر عون على كل أمر من أمور الدنيا والآخرة فيقول: { واستعينوا بالصبر } وكذلك أيضاً { بالصلاة } ثم ختم ذلك بهذا الخبر قال : { إن الله مع الصابرين } فلم يقل : مع المصلين على أنه معهم سبحانه لكن الصبر يشمل ذلك كله فنحن نحتاج إلى الصبر في عباداتنا وفي معاملاتنا نحتاج إلى الصبر في حياتنا كلها نحتاج إلى الصبر في صلاتنا في كل ما يتعلق بأمر من أمور الدنيا والآخرة الصبر معاشر المؤمنين معناه حبس النفس على ما تكره فالنفس تنفر هذه النفس اللوامة والنفس الأمارة أما النفس المطمئنة التي قد رضيت بالله رباً اتخذت لها منهجاً واضحاً ورضخت لأمر الله سبحانه وتعالى فهي قد تخلقت بالصبر وصار الصبر سجية لها فإذا كنت تعيش في دنياك وأنت فاقد لهذه الشعيرة وهذه الشعبة العظيمة شعبة الصبر لا شك أنك تمر بمخاطر عظام فكان لزاماً على المؤمن أن يطالع في صفحات القرآن الكريم وأن يتمثل خُطا محمد صلى الله عليه وسلم فهو الذي أمره ربه بقوله: { وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ }[المدثر7]. فكان خير الصابرين وخير القانتين وخير الخاشعين وخير المصلين فهو أتقى العالمين لربه وهو أعلم الناس بالله سبحانه وتعالى . 
معاشر المؤمنين : هذه الآية المباركة يأمر سبحانه وتعالى بأن يستعين المؤمن في هذه الدنيا والآخرة يستعين على نوائب الحياة يستعين بالله سبحانه وتعالى من خلال الصلاة ومن خلال الصبر أيضاً فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، لقد رحل بعض المسافرين إلى بعض دول الغرب حيث انخلعوا عن تعاليم الإسلام بل حتى وقعوا في كل ما يسوء للإنسانية والبشرية في الحياة وانخلعوا تماماً عن الحياة وعن ما يجب عليه الإنسان من الحياة فضلاً أن يكون مؤمناً بربه فرأى الفتن من حوله يمنة ويسرة وأن اقتراف الحرام من السهل بمكان فخشي هذا المؤمن على نفسه فأراد لنفسه الدواء فتذكر هذه الآية المباركة تذكر هذه الآية الكريمة :{ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ }[العنكبوت45

] فلزم الصلاة لزم الخمسة الفروض وداوم على النوافل بعد الفرائض وكان حقاً مصلياً فحينها استقام له قلبه وخشعت جوارحه لله ورجع بخير دون أن يتلطخ بشهوة حرام. 
          أيـــا مسلمـاً بـــاع الهـــوى والمـلاهيــا                   وأصبــح للذكــر المقـدس تـاليـاً               
          فقد ظفرت ورب العرش بالفوز والعلا                   وأحسنت إحساناً وحزت الأمانيا
         توضــأ بمــاء التـوبــة اليـوم مخلـصــاً                      بـه تـرقى أبواب الجنان الثمانيا 
        وقـل لبـلال العـــزم إن كنــت صــادقـاً                      أرحنـا بـها إن كنت حقـاً مصلياً
فهذا الرجل القدير دله إيمانه و دله يقينه وأعانه الله على أن ترك الحرام من خلال هذه الشعيرة العظيمة لأن هذه الشعيرة كفيلة بصلاح الإنسان فوالله لا يرتاح قلبه ولا يهدأ ضميره ولن تكون له عاقبة حميدة إلا برضا الله سبحانه وتعالى . 
معاشر المؤمنين : إن دخل العبد إلى هذه الدنيا فإنه يحتاج والله إلى الصبر فمن خلال الطاعة لا يمكن أن يثبت على طاعة إلا أن يتحلى بالصبر فإن الصبر يحبس هذه النفس على أن تداوم على الطاعات فهو صبر على طاعة الله سبحانه وتعالى يصبر على الطاعة فمن صبر على الطاعة وجد الخير ورأى النور فإن {الصلاة نور والصبر ضياء }( ) يستضيء به الإنسان في هذه الدنيا وهكذا أيضاً صبر عن المعصية فإن العبد لا يستطيع أن يترك الحرام إلا يوم أن يكون صابراً قال سبحانه         :{ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً }[الإنسان12]. وقال سبحانه: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }[الزمر10]. وتأملوا في صبر الكريم بن الكريم يوسف عليه الصلاة والسلام حينما دعته امرأة العزيز فكان نعم العبد الصابر المحتسب إنه لم يتدنى لأن يكون من أهل الشهوات الذين أحرقوا أنفسهم في خضمها وانقادوا لنفوسهم فكانوا مفضوحين لكنه اعتصم بالله رب العالمين وهكذا معاشر المؤمنين فيما يتعلق بالمصائب والنكبات ومن ذا الذي يخلو من أمر الله سبحانه وتعالى فإذا لم يكن لك صبر يعينك على الطاعة ويعينك على ترك المعصية ويعينك أيضاً على الإستسلام للقضاء والقدر لن تتهنأ والله بعيش أبداً 
                          اصبـر لكل مصيبة وتجلد   واعلم بأن المرء غيـر مخلد 
                         فإذا أتتك مصيبة تبلى بها   فاذكر مصابك بالنبي محمد 
فالمصائب النازلة من قبل رب الأرض والسماء وجب على المسلم وجوباً أن يتأمل أنها أمر الله فالله هو الذي أنزلها وربما كانت خيراً للعبد لكن الناس يستعجلون ، هذه امرأة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم تأملوا قصتها معاشر المؤمنين تأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أمة سوداء لا تكاد تعرف بين الناس لكنها صارت تاريخاً عظيماً يقرأ إلى يوم الدين تأتي هذه المرأة الصالحة إلى رسول الله وتقول : يا رسول الله إني أصرع بمعنى أن هناك من الجان من يصرعها فأرادت من الرسول  صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها أن يدعو الله لها ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم مقبول فبمجرد الدعاء يكون الجواب من رب الأرض والسماء ويكون الشفاء من الله سبحانه وتعالى فعرض عليها الرسول صلى الله عليه وسلم أمراً يختبر بذلك إيمانها فقال لها : إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله لك ، إنها بالخيار هذه المرأة بالخيار إما أن تصبر لتستلم من الصادق الأمين هذه الضمانة العظيمة وهذا الوعد الذي لا يخلف إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله لك فشفاك قال : بل أصبر يا رسول الله ولكن ادعو الله أن لا أتكشف إنها كانت على حياء ودين لا تريد أن يتبين مفاتنها وأن تظهر عورتها للناس قال : أدعو الله لك فكانت تصرع يقول ابن عباس لتلميذه عكرمة البربري : ألا أريك امرأة من أهل الجنة قال : بلى قال : تلك المرأة السوداء هذه قصتها( ).
 إن من المسلمين اليوم من إذا أصيب بمرض فربما تسخط على الله وعلى أقدار الله أو أصيب بولده أو بزوجته أو بماله إنه لا يدري أن الله سبحانه وتعالى له حِكَم عظيمة وله مقاصد شريفة لكن الناس لا يعلمون أمر الله سبحانه وتعالى فهذا اختيار واصطفاء إنه اختيار واصطفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مات أولاده وماتت بناته وماتت من أزواجه وهو على قيد الحياة فكان يصبر ويسلم لله سبحانه وتعالى.
 وهذا أحد التابعين العظام أحد العلماء الأفذاذ أصيب برجله فكان فيها سرطان وقرر الأطباء قطعها هذا هو العالم الجليل عروة بن الزبير ابن أسماء أبوه حواري رسول الله وأمه أسماء ذات النطاقين رضي الله عنه وعن آل أبي بكر وعن الصحابة أجمعين هذا الرجل العظيم كان من العلماء الكبار أصيب بآفة في رجله وهذه هي حال الحياة وحالة الدنيا فلا يسلم أحد من سوئها لأنها لا تسوى عند الله شيئاً فهذه الدنيا ليست بدار قرار وإنما هي دار ممر 
              حكم المنية في البريـة ســاري     مـا هـذه الدنيا بـدار قــرار 
             طبعت على كدر وأنت تريدها     صفواً من الأقذار والأكدار 
             ومكلف الأيـام ضـد طبـاعـهـا     متطلب في الماء جذوة نار( ) .
إنك تطالب مستحيل من أراد أن يهدأ وأن لا يفجعه مصارع الدهر والزمان فقد طالب مستحيل فلا بد أن تبتلى بموت أو بمرض أو بصرع أو بفقر أو بأي آفة من الأمور التي أرادها الله فلا بد أن يكون الرضا وأن يكون التسليم وأن يكون الإذعان فإن الذي أراد ذلك هو الله سبحانه وتعالى فهذا العالم الكبير قرر الأطباء بتر قدمه قرروا بتر هذه القدم حتى لا يصاب بقية البدن بهذه الآفة وقالوا له : نضع لك بنجاً يعني مخدراً لهذه القدم وكانوا في القديم ليس عندهم ما يسمى بالتخدير الموضعي وإنما هو شيء يشربه عن طريق المعدة فيضيع عقله كله ولا يشعر ولا يحس بشيء بعد استعماله فما رضي بذلك لكنه صبر واحتسب فلما قطعت رجله أصيب بإغفاءة وبإغماء شديد فما استيقظ إلا وقد بترت هذه القدم وفي نفس اليوم يموت أحد أولاده فقال هذا العبد الصالح : اللهم إن كنت قد أخذت قدماً فقد أبقيت لي أخرى وإن كنت قد أخذت عني ولداً فقد أبقيت لي آخرين فقال حساده : لم يبتل ابن الزبير بما ابتلي به إلا بذنب عظيم اقترفه فقال رحمه الله : 
               والله مـا مديـت كـفــي لريـبــة             ولا حملتني نحـو فاحشـة رجلي
             ولا دلني سمعي ولا بصري لها             ولا قادني فكري إليها ولا عقلي
             وأعلـم أنـي لم تصبنـي مصيبـة              مـن الله إلا قد أصابت فتىً قبلي( )       
وهكذا شأن الناس يتدخلون في نوايا الناس دون أن يكون على علم وإنما على ظنون وتخمين فكان صابراً محتسباً.
وهكذا شأن النبي أيوب عليه الصلاة والسلام يبتلى ثمانية عشر عاماً حتى تركه القريب والبعيد ما عدا زوجته التي ما زالت متمسكة بالعهد والمعروف فكانت هي التي تقوم بخدمته وبعد ذلك يكون البرؤ ويكون الإصطفاء والإختيار وكانت التزكية ووسام الشرف من الله : { نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص44] 
 فيا معاشر المؤمنين : على مدار اليوم والليلة نحتاج إلى الصبر فتحتاج إلى الصبر وأنت في مسجدك وأنت في طريقك وأنت في بيتك مع زوجتك وأولادك تحتاجه مع أبيك وأمك تحتاجه مع قريبك تحتاجه مع عمالك تحتاجه في كل لحظة وآن تحتاج إلى الصبر.
 هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انتهائه من فتح مكة توجه إلى الطائف ليناجز هنالك الأحزاب الذين تألبوا له في معركة تدعى حنين وكانت الهزيمة قبل ذلك على المسلمين ثم شاء الله الإنتصار عليهم ووزعت الغنائم وقسمت الغنائم والذي قسمها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا بأحد هؤلاء يقول : هذه القسمة ما أريد بها وجه الله وفي رواية أنه قال : يا محمد اعدل إنه يخاطب بهذا الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول العالمين وحجة الله على الأولين والآخرين إنه أمين وحي السماء يخاطبه بهذا الخطاب ويطالبه بالعدل فتمعر وجه رسول الله حتى كان وجهه كالرق الأحمر مما سمع من مقالة السوء فقال صلى الله عليه وسلم:{ لقد شقيت من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر }( ).
 وفي حادثة أخرى .يقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبين كث اللحية محلوق فيقول اتق الله يا محمد فيقول صلى الله عليه وسلم:{ من يطع الله إذا عصيت؟ ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء. فقال خالد بن الوليد : دعني أضرب عنقه يا رسول الله فمنعه فلما ولى قال:{ إن من ضئضئ هذا أو في عقب هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وثمود}( ).
هولاء هم الخوارج يتظاهرون بالصلاة والصوم وبالدين وفي قلوبهم الويل على المسلمين كان استعداؤهم أولاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم على المسلمين من بعده.
أعلمتم معاشر المؤمنين هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينال في عرضه وفي أمانته ولما كان في المدينة شهر واحد يوقِفُه على أعصابه من قبل المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه الذين اتهموا عائشة بالزنا ثم نزلت براءة من السماء في تبرئة عائشة في مطلع سورة النور { إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ }[النور11] هذا عبد الله بن أبي ينال من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن فراش رسول الله فتحلى صلى الله عليه وسلم بالصبر, فلما فُقد الصبر من حياتنا حصل ما لا تحمد عقباه سرق الفقير واعتدى على أموال الغني وكان حرياً بالفقير أن يصبر وهكذا أيضاً صار طغيان عند القوي فاعتدى على الضعيف وكان حرياً بأن يصبر وهكذا الغني صار عنده مال فصار يخبط به خبط عشواء وكان حرياً به أن يصبر كان حرياً به أن يصبر فإن الصبر عنوان الفلاح في الدنيا والآخرة وهكذا حصل من القتل على أتفه الأسباب وكان خليقاً بالمسلمين أن يصبر بعضهم عن بعض وأن يعفو بعضهم عن بعض فضاعت هذه الركيزة من حياتنا فدقت الأمراض أمراض السكر والسرطان والضغط دقت أناساً كثيرين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي إليه رجل فيقول : يا رسول الله عظني انصحني وجهني فيقول له: { لا تغضب. فردد مرارا. قال: لا تغضب }( ). 
وقديماً قالوا : الحلم سيد الأخلاق ومن أين يكون الحلم إذا لم يتحلى المؤمن بالصبر فالمؤمن يتحلى بالصبر ولقد ذكر رجل في تاريخ الإسلام ودخل تاريخ الإسلام من أوسع أبوابه إنه الأحنف بن قيس الذي ضرب بحلمه في الجاهلية والإسلام حتى قال القائل : 
            إقدام عمرو في سماحة حاتم        في حلم أحنف في ذكاء إياس( ) 
هذا الرجل العظيم كان مضرب مثل في الحلم قتل بعض جيرانه وكان القاتل لذلك ولده فكان في مجلسه قال : اذهبوا إلى أوليائه فإن عفوا وإلا فاعطوهم الدية فقال بعض الحاضرين : إنك لحليم يعني صابر محتسب إنك رجل صاحب حلم فقال له : نعم إلا في ثلاث فأنا لا أكون حليماً قال : وما هي ؟ قال : البنت إذا شبت فلا بد أن تزوجها إن خطبت وضيفي إذا طرق بابي أستعجل لفتحه وإذا مات الميت فليس هناك داعي لتأخيره بل لا بد من دفنه ، هذا الرجل قيل له مرة : إنك تصبر في كل شيء وتحلم في كل شيء ونحن لا نستطيع أن نقوم بما تقوم به أنت فقال لهم : أني أجد مثل ما تجدون لكني أحمل نفسي على الصبر فلا بد من المجاهدة يقول سبحانه : { والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }[العنكبوت69].
 هناك من الناس من لربما صار عنتراً في بيته ربما ضرب زوجته ربما ضرب أولاده بل هناك من قتل زوجته قتلها في يوم عيد يوم أن جاءت توقظه لصلاة العيد فقام مغضباً فضربها ضرباً مبرحاً وهناك من قتل ابنه كما نشر في بعض الصحف وهو على السرير بال الصغير على أبيه فرماه من على السرير حتى وقع الصغير على أم رأسه فمات وهكذا قصص كثيرة وما أكثر القتل والقتال ، في بعض الأحيان تأتي سيارتان في طريق ضيق فيقول الأول للثاني : ارجع إلى الوراء فلا يرضى يقول له : لكن ارجع أنت فهذا يأخذه القمر فلا ينكسر هذا ولا ينكسر الآخر فبعد أن يضعوا مقاتيل أو أن يتضاربوا أو أن يحصل من التحدي ربما ينزغ الشيطان فبعد ذلك يذعنون للأمر الواقع وكان الأولى أن يكون أحدهم عاقلاً إن كان الأول مجنوناً فلا بد أن يكون الآخر عاقلاً ليس هناك من هزيمة أن رجعت إلى الخلف إنك إن رجعت إلى الوراء لست أنت بفسل ولا يقال عنك جبان بل أنت أشجع الشجعان يقول صلى الله عليه وسلم : { ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب}( ). 
فلا بد أن تملك نفسك عند الغضب في كل شيء فإن الغضب جمرة من النار تفور في قلب صاحبها توقعه في أمور لا تحمد عقباها قال بعض الصحابة : { فكرت فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الغضب قد جمع الشر كله}( ). 
اللهم بارك لي ولكم في القرآن العظيم وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم هذا ما قتله لكم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم فاستغفروه يغفر لكم . 
الخطبة الثانية: 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه : 
معاشر المؤمنين : 
أما تتمة هذه الآية من سورة البقرة وهي رقم ثلاثة وخمسين بعد المائة من سورة البقرة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة153].
يؤكد الله سبحانه وتعالى بهذا التأكيد المبارك أنه مع الصابرين فمع تفيد المعية ومعنى المعية أي أن عناية الله وحفظ الله ولطف الله وتأييد الله وأمر الله وإعانة الله تكون للصابرين { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة153].
  فالمعية على قسمين : معية عامة ومعية خاصة أما المعية العامة فمعية الله مع الناس كلهم :{  مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[المجادلة7]. 
فالله مع البشر في كل وقت وحين في كل لحظة وساعة لو كانوا في البر أو في البحر أو في الجو فهو معهم سبحانه : { أيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }[البقرة148].
 فهو مع المؤمن والكافر لكن ليست إعانة وليست نصراً ولا تأييداً ولا ثباتاً بل إحاطة وعلم وإدراك من أجل المحاسبة من أجل المراقبة قال سبحانه في كتابه الكريم :{  أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }[المجادلة6]. لكن هناك معية خاصة هذه للمؤمنين للمحسنين للصابرين للمحتسبين للخاشعين للذين ساروا على أمر الله { إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }[النحل128]. 
وهنا يقول سبحانه : { إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة153]. تأييداً ونصرة وثباتاً ورزقاً ومعروفاً وهكذا فسرها بكل جميل وانزع عنهم كل قبيح فهو معهم سبحانه.
 كان بعض الصالحين يكتب رسالة إلى بعض إخوانه يقول له : أما بعد فإن كان الله معك فممن تخاف وإن كان الله عليك فمن ترجو فإن كان الله في صفك فهو الذي نصر موسى على فرعون وكانت الدنيا مع فرعون كلها وهو الذي أخرج يونس بن متى من البحر بل كان في بطن الحوت وهو الذي أنقذ الخليل من النار والإحراق ونجى إسماعيل من الذبح وهو الذي رفع المسيح بعد أن أراد اليهود قتله أراد اليهود قتل عيسى بن مريم لكن الله رفعه إليه:{ بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } [النساء158] رفعه سبحانه وتعالى إليه رفعه إلى السماء وهو الذي نجّا محمداً صلى الله عليه وسلم من بطش قريش وقد أرادوا الفتك به لكنه سبحانه وتعالى معه كما قال سبحانه :{ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا }[التوبة40]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وهو في الغار : { يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما }( ) فأنت يا عبد الله إن كنت صابراً فاعلم أن الله في صفك . 
فيا أيها الوالد القدير عليك أن تصبر على أولادك ويا أيها الابن القدير اصبر على أبيك وأمك وأنت أيها الزوج أيضاً لا بد من صبر على نوائب وعلى مشاكل الحياة الزوجية وأنتِ أيتها الزوجة أيضاً فلا بد من صبر فلا تقوم الحياة إلا بصبر وهكذا المسلمون كلهم في كل لحظة وآن يحتاجون إلى هذا الأمر لأن تكون حياتهم مؤسسة على صبر ومؤسسة على حلم ومؤسسة على دين وأي رجل فارق الصبر أو أنه لم يرعوي به ولم يلجأ إليه فإنما قد ضر نفسه وألقى بنفسه إلى الهاوية .
فيا معاشر المؤمنين : 
طالعوا في صفحات التاريخ وتأملوا سيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فإنه بحر خضم من الفضائل : 
           هو البحر من أي النواحي أتيته   فلجته المعروف والجود ساحله 
اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين اللهم ارزقنا الصبر على نوائب الدهر يا رب العالمين اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا ديناً إلا قضيته ولا عسيراً إلا يسرته اللهم خذ بأيدينا إلى كل خير وجنبنا كل ضير اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا غاية رغبتنا ولا تسلط علينا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا اللهم احفظنا فوق الأرض وارحمنا تحت الأرض ويوم العرض عليك يا رب العالمين اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى وأقم الصلاة { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }[النساء103].

.