وجـوب إخـــراج الزكـــاة

وجـوب إخـــراج الزكـــاة

الخطبة الأولى: 
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }[آل عمران: 102].
 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }[ النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }[ الأحزاب70 ـ 71].
أما بعد : 
فإن أحسن الكلام كلام الله سبحانه وتعالى وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة في الدين ضلالة وكل ضلالة في النار .
معاشر المؤمنين : 
اعلموا رحمكم الله أن دينكم دين الإسلام مبني على أسس وأركان فمتى انخرم ركن من هذه الأركان كان مؤثراً على بقية الجوانب الأخرى جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان }( ).
  فها أنتم في ركن من أركان الإسلام الخمسة شهر رمضان فقد كرمكم الله وشرفكم أن كنتم من صوامه وقوامه وهذه إشارات إلى ركن من تلك الأركان من باب الذكرى والذكرى تنفع المؤمنين كما قال رب العالمين في كتابه : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }[الذاريات55]. فيا أهل الإيمان تنتفعون بإذن الله ربكم بالذكرى ينفعكم الله سبحانه وتعالى بذلك فهي إشارات إلى الركن الثالث من أركان الإسلام وهو إيتاء الزكاة أو أداء الزكاة فقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب إخراجها كما قال ربنا سبحانه : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ }[البقرة: 43, 83, 110والنساء: 77 والنور:56 والمزمل:20] في آيات كثيرة من القرآن يقرن الله عز وجل بينهما بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة:     { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ }[الحج41]. وغيرها كثير.
هذه الفريضة العظيمة أيضاً أرسى قوائمها وقواعدها محمد عليه الصلاة والسلام فلقد أرسل معاذاً إلى اليمن قال له : { إنك تأتي قوماً من أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وفي رواية : أن يوحدوا الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة من أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم}( ). فهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة ، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في زمانه يرسل الجباة والسعاة لجمع الزكاة فهي حق من حقوق المال حق شرعي أوجبه الله سبحانه وتعالى ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ارتد بعض الأعراب وقالوا لأبي بكر ومن معه من الأصحاب : نقوم بكل الشرائع ما عدا الزكاة نصلي ونصوم ونحج ونعمل ونعمل ظانين أن أبا بكر إنما يريد الإستحواذ على أموالهم حتى قال قائلهم : 
                  رضينا رسول الله إذ كان بيننا          فما لنا لا نرضى بحكم أبي بكر 
                  أيملكـها بكــر إذا مــات بعــده          فتلك لعمـر الـله قاصمـة الظـهر 
فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه فشرح الله صدر أبي بكر للقتال ثم كان إجماعاً من الصحابة رضوان الله عليهم في مقاتلة أهل الردة( ).
 وما من شيء فرضه الله إلا وفيه حكمة فأي أمر أمر الله به فمن ورائه حكم من الخير وأيما شيء حذر الله منه فمن ورائه حكم من الشر فأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كلها خير ونواهي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كلها شر ما يعبر عنه العلماء بقاعدة التلازم لأن الله عظيم وحكيم وخبير ولطيف وهو رحمن الدنيا والآخرة. 
                  والدين جاء لسعادة البشر    ولانتفاء الشر عنهم والضرر
فلماذا كانت الزكاة ؟ هل حق ما يقوله اليهود : أن الله فقير وهم أغنياء ؟ قاتلهم الله { لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ }[آل عمران181]. هذه مقالة اليهود لا يا عباد الله الله هو الغني وله ملكالسماوات والأرض وما بينهما وما خول الله الأغنياء إنما هو غنى من غناه وملك من ملكه وحقاً من حقوقه فكان الله قادراً أن يجعل الناس كلهم على حد سواء يجعلهم أغنياء أو أن يجعلهم فقراء جميعاً محاويج على أنهم فعلاً فقراء إلى الله: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }[فاطر15]. ولكن نتحدث عن المصطلح المعروف وعن الرتب والطبقية الحاصلة في الناس فهذا فضل من الله هذا فضل من الله أن جعل هذا غني وهذا فقير ابتلاء واختبار لقد ابتلى الله أهل الغنى بالغنى وابتلى أهل الفقر بالفقر ليستبين شكر الأغنياء وصبر الفقراء هل الأغنياء سيشكرون وهل الفقراء سيصبرون على أن الغالب أن البعض ينتقد على هذا والله يقول: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }[الزخرف32]. الله لطيف وخبير لكن بعض الناس غير مقتنع بهذا 
                 صغير يطلب الكبـرا    وشيخاً ود لو صغرا 
                وخـالٍ يشتهـي عمـلاً    وذو عمل به ضجرا
                ورب المال في تعب    وفي تعب من افتقرا
                أهم حاروا مع الأقدار    أم هم حيـروا القـدرا
هذه أقدار رب العالمين فوجب على الغني أن يشكر وعلى الفقير أن يصبر إنه ابتلاء واختبار: { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }[الفرقان20]. وقال سبحانه : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }[الأعراف168]. إنه ابتلاء لذوي الأموال وابتلاء لذوي الفاقة والحاجة لكن هناك حكم يرتبها رب العالمين من وراء ذلك أيضاً على أن ما ذكر حكمة عظيمة ليتبين شكر الشاكر وصبر الصابر فتأمل معي رعاك الله قول المولى سبحانه : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }[التوبة103]. فلقد جاء ابن أبي أوفى إلى رسول الله بماله الذي عينه للزكاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { اللهم صل على آل أبي أوفى }( ). ويأتي أبو بكر بماله كله فيقول :{ ما أبقيت لأهلك ؟ " قال أبقيت لهم الله ورسوله. ما ويأتي عمر بشطر ماله قال : { ما أبقيت لأهلك ؟ قلت مثله }( ). وينادي رسول الله : { من يجهز جيش العسرة وله الجنة ؟ فيجهزه عثمان رضي الله عنه }( ). حتى قال رسول الله:{ ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم شيئاً}( ) هؤلاء ضحوا بما عندهم وليس غريباً فقد ضحوا بنفوسهم 
                 يجود بالنفس إن ضن البخيل بها        والجود بالنفس أقصى غاية الجود 
فتأمل قوله سبحانه : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً }[التوبة103]. أي:  زكاة { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا } [التوبة103]. فالزكاة طهرة للمال وطهرة لصاحب المال وزكاة للمال أي نماء للمال وزكاة لصاحب المال زكاة لنفسه { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى }[الأعلى:14ـ 15] وكما في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام : { اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها }( ) فإخراج الزكاة معناه نماء للمال ليس نقصاً والله فما نقص مال من صدقة أخبر بهذا نبينا صلى الله عليه وسلم : { ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله}( ).
ومن شح بالمال سلطت عليه الآفات وابتلي صاحبه بالشح والبخل لأنه لا تزكية له ولا تطهير له إنما التطهير من الآفات الخبيثة للنفس والمال يكون من جراء إخراج الزكاة بدلالة هذه الآية لذلك كان اليهود والرأسمالية من أعظم الناس شحاً وبخلاً وجبناً وهلعاً وتعلقاً بالدنيا لأنهم شحوا بالمال ومنعوا إخراجه أما النفوس الطيبة فقد أخرجوا ما أمرهم الله سبحانه وتعالى به ، هذا رجل كان يقسط الخارج من الأرض ثلاثة أقساط فقسطاً ينفقه على أهله وأولاده والثاني يعيده إلى الأرض والثالث يعطيه الفقراء والمساكين فقد جاء في صحيح الإمام مسلم: { أن رجلا كان يمشي بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته فقال له يا عبدالله ما اسمك ؟ قال فلان للاسم الذي سمع في السحابة فقال له يا عبدالله لم تسألني عن اسمي ؟ فقال إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها ؟ قال أما إذ قلت هذا}( ) فكان من خيرة خلق الله يوم أن أخرج ما أعطاه الله سبحانه وتعالى.
 وهكذا في عرصات القيامة يقول صلى الله عليه وسلم : { كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس}( ). يعني يوم القيامة .
 وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: { ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة  }( ) 
وجاء في حديث آخر يقول نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم : { من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل}( ) فهذا كله ترغيب من الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لأهل المال والثراء ومن ابتلاهم الله عز وجل بالمال أن يتأملوا في حالة الفقير والمسكين ليعطوهم من فضل الله وأن لا يكون هناك إزعاج على إخراجه ولا منّ على أدائه وإنما إخراج من رجل طيبة بذلك نفسه يتمنى أن يتقبلها ربه سبحانه وتعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }[البينة5].
 فإذا أخرج صاحب المال ماله زكاة فقبل أن يخرج ذلك يسأل من ربه القبول وعليه أن يعلم أن هناك أنصبة ومعايير لإخراج الزكاة وهناك أقسام لأناس مستحقينها فلا ينبغي أن تعطى للأقوياء أو الأثرياء وإنما تعطى للمساكين والفقراء والأرامل والأيتام الذين استوصى بهم ربنا فقال: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[التوبة60 ]. هذه مصارف الزكاة فلا ينبغي أن تصرف لغير ذلك ولا ينبغي أن يكون في ذلك حيل فبعضهم يعيدها على أسرته مانعاً غيرهم من الزكاة ربما أعادها لزوجته مثلاً على أنه مكلف بالإنفاق عليها أو على أبيه وهو مكلف على الإنفاق عليه لكن لو أعادها على بعض الأقربين ممن لا تلزمه نفقتهم على أنه لا يضيع حقوق الفقراء الآخرين فيعطيه ما تيسر من ذلك ثم يصرف الآخر منها على من يراهم أهلاً لأخذها ، كذلك لا ينبغي أن يكون إخراج الزكاة إنما هو استحياء من الصديق أو من العامل في ميدان العمل أو من مخاطبة الناس له فعليه أن يعلم أنها فريضة وأنه حق افترضه الله سبحانه وتعالى وأنه آثم إذا لم يخرج فقد قال ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم حاكياً عن فريق أوتوا كتبهم بشمالهم: { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ . وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ. يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ. مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ. هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ . خُذُوهُ فَغُلُّوهُ . ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ . ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ . إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ . وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ }[الحاقة:25ـ 34].
 أي لا يحث على ذلك ولا يهتم به على أنه صاحب مال فلما لم يهتم بالمسكين والفقير.{ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ . وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ }[الحاقة:33 ـ 36]. والمراد بالغسلين غسالة أهل النار ما يكون من زهمهم وعرقهم ونتنهم فيكون طعاماً وشراباً لهذا الذي منع الزكاة ومن أعطاه الله مالاً ولم يؤد زكاته كان هذا المال شجاعاً قوياً ينطحه يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يقول سبحانه: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }[التوبة:34ـ 35].
  وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من آتاه الله مالا فلم يؤدي زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزميه يعني شدقيه ثم يقول أنا مالك أنا كنزك }( ).
 هذه آثار صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن أعطاه الله من الخير وجب أن يخرج منه وقد تساهل الناس في كثير من الأمور التي تقتنى كالبقر والإبل والغنم ولكنه دين يجب بيانه فنصاب البقر ثلاثون ونصاب الإبل خمس وفيها شاة ونصاب الغنم أربعون وفيها شاة ثم إلى مائة وعشرين شاتان ثم بعد ذلك في كل مائة شاة على حسب ما هو مقرر في كتب الفقه لكن أغلب المسلمين اليوم في ثروة النقدين وفي ثروة العملة الورقية وعروض التجارة أما ما يتعلق بالذهب والفضة سواء كان ملبوساً أو كان عرضة للبيع والشراء والإدخار كان مكنوزاً أو كان سلعة للبيع والشراء أو كان ملبوساً فيجب إخراج الزكاة منه بدلالة هذه الآية { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم }[التوبة:34]. فنصاب الذهب عشرون مثقال هذا ما ورد في كتب الفقه ثم اجتهد علماؤنا في هذا الزمان فجعلوه بمعايير وأوزان عصرية فقالوا : خمسة وثمانون جراماً فمن ملك أو ملكت من النساء خمسة وثمانين جراماً من الذهب وجب عليه إخراج الزكاة وكيف يتم إخراجها تضرب بحسابها بسعر اليوم ثم يخرج ربع العشر والمراد بربع العشر على كل ألف خمسة وعشرين ريالاً فعلى المائة الألف ألفين وخمسمائة وهكذا ما يتعلق بنصاب الفضة إلا أن نصابها مائتا درهم كما في كتب الفقه الكبرى أما علماؤنا في هذا العصر فقالوا : خمسمائة وخمسة وتسعين جراماً أما ما يتعلق بالأموال النقدية فيشترط فيها ما يشترط في الذهب أن يحول عليها الحول وأن تبلغ النصاب ونصاب العملة الورقية هو نصاب الفضة فمن بلغ معه من العملة النقدية سبعة عشر ألفاً وحال عليها الحول وجب عليه أن يخرج زكاتها إذا بلغ معه سبعة عشر ألفاً( ) فما فوق يجب عليه أن يخرج الزكاة هذا إذا كان في بيته ، إذا كان في خزانته أما إذا كانت الأموال في بنوك ربوية فالواجب عليه أولاً إخراجها وعدم أخذ تلك الزيادة فإنها من الربا ثم يجعلها في مصرف لا يتعامل في الربا إن وجد وإلا كان إيداعاً في بعض البنوك التي ظهرت بطابع إسلامي دون أن يأخذ فائدة منها لأنها فوائد ربوية مهما قيل في حقها وتعلمون قول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }[البقرة: 278ـ 279].
 وأما ما يتعلق بالخارج من الأرض ففيه نصف العشر إن كان بالمضخات وفيه العشر إن كان من ماء السماء, لكن غالبية الناس اليوم لا يمتلكون من القوت المدخر أعني البر والشعير والذرا والدخن وإنما استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير استبدلوه بزراعة القات فهل على القات من زكاة ؟ زكاة القات قلعه واستبداله بالطيب الذي ينفع لكن إن وجد مال وحال عليه الحول وإن كنا نقول في ذلك شبهة فعليه أن يخرج الزكاة أيضاً على حسب التفصيل السابق .
أما العروض التجارية والمراد بكلمة عروض ما تعرض من السلع للبيع ولا تستقر فأي شيء عرض للبيع وحال عليه الحول وبلغ النصاب نصاب النقدين سبعة عشر ألفاً وجب إخراج الزكاة كمحلات قطع الغيار البقالات المواد الغذائية الأدوية محلات السيارات التي للبيع كذلك أيضاً العقارات إن كان عنده عقارات للبيع أما ما يتعلق بالآلات فليس عليها من زكاة كأن يكون عنده سيارة يتواصل بها أو عنده ثلاجة في محله أو ميزان وهكذا إن كان عنده حراثة يحرث بها الأرض فليس على ذلك زكاة وإنما على المال المكتسب من هذه الآلات إن بلغ النصاب وحال عليه الحول فلا يجوز لأحد أن يتساهل في حق الفقير والمسكين فإذا جاء الحول حال الحول على المال استأجر أو تفرغ هو بنفسه للحصر والجرد بحيث لا يبقي شيئاً إلا حصره وسجله ثم بعد ذلك يخرج الزكاة طيبة بذلك نفسه وليبشر بالغنى وليبشر بالعزة والرفعة فإن الله يعلم ذلك والفقراء والمساكين يدعون له وكفى بذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم : { صنائع المعروف تقي مصارع السوء }( ) وكم من رجل بخل بالمال فسلطت آفات إما إغراق أو إحراق كما قد شاهدنا كثيراً من المحلات كان سبب ذلك شرت كهربائي لكنه والله عقاب سماوي أحرقه الله سبحانه وتعالى فتأملوا يا رعاكم الله قول ربنا سبحانه: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ. وَلا يَسْتَثْنُونَ . فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ. فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ . فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ . أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ. فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ. أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ }[القلم: 17ـ 24]. 
اللهم بارك ولكم في القرآن العظيم وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد . 
الخطبة الثانية: 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه : 
معاشر المؤمنين : 
تقدم لكم في الخطبة ما سمعتموه وعلمتموه وهو ما يتعلق بأمر الزكاة وهذا أمر معروف وإنما كما أسلفت في بداية الكلام { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }[الذاريات55]. 
معاشر الإخوة : ها نحن قد قطعنا أكثر من النصف من شهر رمضان فنذكركم أيها الإخوة بأنكم في شهر عظيم وفي موسم مبارك جدير بكل واحد منا أن يراجع حسابه واعلموا أن من لم يكفه رمضان لمحاسبة نفسه والإقلاع عن الذنب فإنه مطرود عن رحمة ومضيع لما سواه من الشهور وقد كررت عليكم حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال : { أتاني جبريل عليه السلام فقال : من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قل آمين فقلت : آمين قال : من أدرك والديه أو أحدهما فمات ولم يغفر له فأبعده الله قل آمين فقلت : آمين ومن أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قل آمين فقلت }( ).
 فجبريل يدعو ومحمد صلى الله عليه وسلم يؤمن فالله الله في أنفسنا جميعاً أن نحاسبها قبل أن نحاسب رمضان موسم لذلك والله فأبواب الجنة مفتحة وأبواب النار مغلقة والشياطين صفدت ونادى منادٍ يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر فرصة بين أيدينا فلنتخذ قراراً شجاعاً وأنتم مقبلون على العشر الأواخر من رمضان فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها في العبادة فمن فرط في بداية الشهر فليغتنم ما بقي من الشهر قالت عائشة رضي الله عنها : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله}( ).
             قوم إذا شمروا شدوا مآزرهم    عن النساء وإن باتت بأطهار 
والمراد بشد المأزر كثرة العبادة في شهر رمضان فلنتساءل مع أنفسنا هل أثر فينا شهر رمضان ؟ كم ختمنا من القرآن الكريم ؟ ما الذي استفدناه من شهرنا وحبيبنا ؟ ما الذي استفدناه في صيامنا وقيامنا ؟ ما الذي استفدناه من حبس أنفسنا عن الطعام والشراب ؟ الجوع إن كان الجوع فقد قال بعض الصالحين : أهون الصيام أي أسهل الصيام أن يترك العبد طعامه وشرابه ، لا يا عباد الله وإنما مراجعة الحساب 
                      مـن يـرد ملـك الجنـان         فليـدع أمر التواني
                      وليقم فـي ظلمـة الليـل                      إلـى نــور القـران    
                      وليصل صوماً بصوم        إن هذا العيش فاني 
                      إنما العيش جـوار الله        فــي دار الأمـانــي 
وهذه العشر فيها ليلة خير من ألف شهر ومن السنن المنسية الاعتكاف في العشر الأواخر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان ويعتكف أصحابه معه وكذا تعتكف نساؤه أيضاً وفاته مرة الإعتكاف في رمضان فاعتكف من شهر شوال( ).
والمراد بالإعتكاف : لزوم المسجد للقراءة والذكر الإنقطاع في المسجد للقراءة والذكر ومراجعة الحساب مع الله سبحانه وتعالى.
 قال الإمام الزهري رحمه الله : [ عجباً من الناس كيف تركوا الاعتكاف؟! ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتى قبض ]( ) . 
معاشر المسلمين : لو تأملنا في أحوالنا إنها أمور والله يندى لها الجبين فبداية الشهر شغلنا بالطعام وإدخاله إلى بيوتنا وفي آخر الشهر الكثير من المسلمين من ينشغل وكأنه عاري من الثياب تماماً وربما انشغل هو وأسرته كلهم باحثين عن الملابس ولا نحرم شيئاً على الناس أباحه الله ولكن القصد القصد فهذا موسم معروف عند التجار شهر رمضان وأيام العيدين مواسم يتحرك فيها الناس للشراء لكن نقول : علينا بالقصد وأن لا نضيع أنفسنا لا نضيع أنفسنا فإن هذه الدنيا إما أن تتركنا أو نتركها نحن 
                   أحلام نوم أو كظل زائل    إن اللبيب بمثلها لا يخدع 
فنسأل الله عز وجل أن يختم لنا شهرنا بالحسنى ، أسأل الله أن يبارك لنا ولكم في رمضان وأن يرزقنا فيه تصحيح النية ، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا ديناً إلا قضيته ولا عسيراً إلا يسرته ، اللهم ارحمنا يا أرحم الراحمين ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا واصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا واصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ، اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل أرض يذكر فيها اسمك يا رب العالمين ، اللهم عليك بأعدائنا من اليهود والنصارى والشيوعيين ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين . 
عباد الله: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }[النحل90] .
 اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون وأقم الصلاة .

.