وقفوهم إنهم مسـؤولون

وقفوهم إنهم مسـؤولون

 

 

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71]، أما بعد:

فإن أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المؤمنين، يذكر المولى سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حاكيًا عن الناس أجمعين في مشهدٍ من مشاهد يوم الدين؛ يقول سبحانه: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ ﴾ [الصافات: 24]، وهذا إنما يكون في عرصات القيامة يوم يجمع الله الأولين والآخرين السابقين واللاحقين، يجمع الأمة أجمعين من لدن آدم عليه السلام إلى آخر بنيه من ذكور أو إثاث، ينظر بعضهم إلى بعض قد حفيت أقدامهم، وانكشفت رؤوسهم، وعرِيت أجسامهم، لا يكون هناك أي شيء يستترون به، هذا مشهد عظيم يجمع الله به الخليقة بأسرها، يا تُرى لماذا؟ من أجل الحساب من أجل أن يتأمل رب العالمين من فاز في الامتحان، ومن كان من الراسبين في دار الابتلاء، فها أنت يا عبد الله، ما زلت على قيد الحياة تستطيع أن تصحِّح المسار، فلا تُقدم على ربك إلا وقد تأمَّلت فيما يقال؛ لذا يقول سبحانه: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47].

 

إنه ميزان العدل، ومن الذي يتولى الحساب والنقاش أملك من الملوك رئيس من الرؤساء، أهو نبي من الأنبياء أم ملائكة من ملائكة السماء؟ كلا إن الحساب يتولاه رب العالمين؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22].

 

إن الله وحده هو الذي يتولى النقاش، وهو الذي يتولى الحساب، وهو الذي يبدأ بالسؤال، أسئلة كثيرة توجه للعالمين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فأما ما كان من الحقوق بين الناس وبين ربهم، فأول ما يحاسبون عليه ما يتعلق بأمر الصلاة، فإن كان العبد مصليًا صلاةً كما أرادها الله سبحانه، كانت الصلاة نافعة، وكان ما سواها أيسر وأهون؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فقد نفعته صلاته في الدنيا، وها هي تنفعه بين يدي الله، فأول سؤال يسأل به الإنسان عن هذه الصلاة[1].

 

أما ما كان بين الناس فيما يتعلق بأمر المظالم، فأول شيء يكون في الدماء[2]، فيمن أراق دمًا حرامًا، أو روَّع مسلمًا، أو ساعَد على قتل مسلمٍ؛ لذا يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا)[3]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم)[4].

 

إنها مظالم عظيمة مظلمة الدماء، فلحرمة دماء المسلمين كان أول سؤال في ما يتعلق بما يكون بين الناس من الحقوق ما يتعلق بأمر الدماء، نسأل الله السلامة والعافية، ثم بعد ذلك فيما يتعلق ببقية المظالم وببقية الحقوق ما يكون بين الله وبين الإنسان، إن كان قد تاب ونزع واستغفر وأناب وندِم، فالله غفور رحيم؛ يقول سبحانه: ﴿ إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].

 

فهذا ظلم يغفره الله، فكل ما دون الإشراك به يغفره سبحانه، أما الشرك فإنه لا يغفره؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48، 116]، فإذا لقي العبد ربَّه بكل مظلمة بينه وبين ربه، حري بربنا أن يغفر، لكن مظلمة الشرك، وهو تعلُّق القلب بغير الله، أو رجاء أو دعاء غير الله، أو توكلًا على غير الله استغاثةً وإنابةً بغير الله، هذا يكون في عداد المشركين؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].

 

أما ما يتعلق بغير جريمة الشرك، فإن كان العبد قد تاب، فإن الله يغفر بنص الآية السابقة، فإن لقي ربه وقد تلطخ ببعض الذنوب، فإنه داخل تحت مشيئة الله؛ كما قال سبحانه: ﴿ يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ ﴾؛ أي: والمشركين ﴿ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الإنسان: 31].

 

فالمشركون لا يغفر لهم في ذلك اليوم، لكن الظالمين مظالم بينهم وبين ربهم، فهم داخلون تحت مشيئته، أما إن كان العبد قد تاب في هذه الدنيا، فإن الله يغفر له في هذه الدنيا ويمحو عنه الذنب، فإن وصل إلى الله كان من المغفورين؛ روى الإمام الترمذي في جامعه من حديث أنس بن مالك عن رسول الله عن رب العالمين، قال الله في الحديث القدسي: (قال الله تعالى: يا بن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة)[5].

 

هذا كرم من رب العالمين يغفر الذنب ويستره؛ لأنه سبحانه كريم ورحيم وغفور وعظيم، غني عن تعذيب العالمين، ما أراد الله منهم إلا العبادة، ووعدهم سبحانه وتعالى بالإحسان والكرم، ثم بعد ذلك عدة سؤالات فيما يكون بين الناس وبين ربهم، وهي المظالم التي لا يتركها الله سبحانه وتعالى، عدة أسئلة لا يتركها الله ولا يغفرها الله، إلا أن يكون العبد تائبًا، فالإنسان مسؤول عن مظالم إخوانه في ذلك اليوم العظيم؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)[6].

 

ويقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)[7].

 

ففي ذلك اليوم كل خبيئة وكل مظلمة، سواء كان ذلك في الأمور الحسية أو الأمور المعنوية، أما الأمور المعنوية - كالغيبة والنميمة والقذف والسباب والشتام - فهذه مظالم عظيمة عند رب العالمين، وأما ما يتعلق بالأمور الحسية كأخذ الأموال بغير حقٍّ، والتعدي على الناس بالسرقات، فهذه مظالم أيضًا تظهر في ذلك اليوم العظيم، ثم بعد ذلك كان الناس جميعًا متفقون على أسئلة خمسة توجَّه إليهم أجمعين دون الأنبياء والمرسلين، فإن دعواهم يوم القيامة، اللهم سلِّم سلِّم، فكل واحد على حسب مظلمته، وعلى حسب جريرته، ولا يظلم الله أحدًا، ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].

 

لكن هناك خمسة سؤالات، هذه السؤالات يلتقي فيها العالم والجاهل الصغير والكبير، الذكور والإناث الحكام والمحكومون، يسألون عنها في ذلك اليوم العظيم، فتأملوها يا رعاكم الله، لتحضروا لها أجوبة، ولا بد أن تكون الجوابات صائبة؛ لأن السائل هو الله، ولأن المسؤول أنت يا عبد الله، فماذا تجيب ربك غدًا؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام الترمذي من حديث أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود القرشي رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسئل عن خمس: عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم)[8].

 

فتأملوا يا رعاكم الله هذه السؤالات الخمس، وهي توجَّه، لكن لا توجَّه إليك في قاعة الاختبار، اختبارات من اختبارات الدنيا، وإنما في يوم عظيم يجمع الله الأولين والآخرين، فأول سؤال يوجَّه لك وأنت في عرصات القيامة دون أن يحكم بك إلى جنة أو نارٍ، حتى تظهر آثار نعمة الله عليك إن كان قد أعطاك الله علمًا أو أعطاك مالًا، كذا أنه أعطاك صحة، أعطاك جسمًا، وأعطاك عمرًا، وأعطاك شبابًا أيضًا، فإن الأعمار أمانة وكذا الأجسام أمانة؛ يقول سبحانه: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ. فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 115، 116]، ويقول سبحانه: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة36]، ويقول سبحانه: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا ﴾ [المزمل: 15، 16]، فما كان الله ليتركنا سدًى، أو أن يهمل أمرنا، وإنما تولانا برعايته وزوَّدنا بكل نعمة أسداها علينا، وبعث إلينا رسولًا، وأنزل علينا كتابًا بيَّن لنا طريق الهداية من طريق الغواية؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]، وقال سبحانه في كتابه الكريم: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10]؛ أي: طريق الخير وطريق الشر، فأول سؤال يكون سؤالًا عامًّا للناس أجمعين، يسألون عن أعمارهم، عن عمره فيمَ أفناه، ففيمَ أفنيت عمرك يا عبد الله، هل أفنيت عمرك فيما يعود عليك بالنفع في الدنيا، ويعود عليك بالنفع في الآخرة، إن الكثير من المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله، فكأنه خالد مخلَّد، وكأنه لم يخرج إلا لهذه الدنيا، فإن كان أمرًا يتعلق بأمر الدنيا يقوم له من آخر الليل، لكن أمر الله سبحانه وتعالى يتهاون به، وكأنه لا شيء لما حصل هذا؟ حينما جهل الإنسان دينه، وجهل تعاليم الإسلام، على أنك لو تأمَّلت إلى أمة اليهود والنصارى، لقد فاقوا المسلمين فيما يتعلق بأمور الدنيا، وصار المسلمون ولا حول ولا قوة إلا بالله أذلَّ أمة في هذا الزمان، لا لأنهم مسلمون، بل لأنهم تخلفوا عن تعاليم الإسلام، وصار الواحد من المسلمين إن باع قطعة لأخيه المسلم، يتحين كيف يخدع أخاه، وكيف يوقعه في خسارة، ولا بد أنها والعياذ بالله نتيجة الجهل، ونتيجة الحرص على هذه الدنيا، فتأملوا يا رعاكم الله، وقد أعطاكم الله أعمارًا، ففيمَ تعملون بهذه الأعمار وقد قضيتم ستين أو سبعين عامًا أو ثمانين؟ فإن بلغت إلى المائة، فماذا تريد بعد الثمانين؟ ماذا تريد بعد ثمانين عامًا؟ إن من بلغ سن الثمانين يسأم من حياته، ويَيْئس من عمره، ولا يريد البقاء على وجه هذه الدنيا، إنه يريد الخروج من هذه الدنيا، هذا إذا لم يخرف ويصير إلى أرذل العمر، لكن الحليم الذكي الكيس هو الذي يغتنم عمره هذا، ويعلم إنما هو أيام؛ كما قال الحسن البصري: يا بن آدم، إنما أنت أيام، فكلما ذهب يومك ذهب بعضك[9].

 

كذلك مرحلة الشباب وهي من أحسن ما يكون في مرحلة العمر، ففيمَ أفنينا شبابنا؟ هل أفنيناه فيما يعود على أمتنا وعلى أنفسنا وعلى أولادنا بالخير؟ هل أفنينا شبابنا فيما يعود علينا أو على أمتنا، أو على ديننا أو على وطننا بالخير؟ أو أننا أفنيناه مثلًا في شرب السجائر ولعب الكرة، وفي أكل القات، وفي المعاكسات، وهنا وهناك، إن هذه المرحلة من أفضل مراحل الإنسان، فعليه أن يستغلها؛ لذا يقول صلى الله عليه وسلم: (اغتنمْ خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك)[10].

 

هذه المرحلة مرحلة عظمى يجب على الشخص أن يتأملها، وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، (إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلَّق بالمسجد، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل دعتْه امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)[11].

 

وأما السؤال الثالث والرابع، فأنت مسؤول عن مالك، من أين اكتسبته وفيمَ أنفقته إن كنت قد اكتسبته من حلال، فهل أنفقته في حلال، إن كنت قد اكتسبته من حرام، ففيم أيضًا أنفقته؟ إن كنت قد أنفقته في حلال، فذلك أيضًا تحاسَب عليه، فليس مبرَّرًا أن تأخذ المال من الحرام، ثم تُنفقه في الحلال، ليس هذا بمبرر أبدًا، كما قيل:

بنى مسجدًا لله من غير حلِّه 

فكان بحمد الله غير موفَّق 

ككافلة الأيتام من كسب فرْجها 

لك الويل لا تزني ولا تتصدقي 

 

فبعض الناس ربما أخذ المال من الحرام قال: نعطيه للأولاد، أو لأننا محرومون وما إلى ذلك، فلقد كان بعض السلف يخرج من بيته جائعًا، فتقول له زوجته: إياك والحرام، فإننا نصبر على جوع الدنيا، ولا نستطيع أن نصبر على حرِّ جهنم[12].

 

هذه مسألة من أخطر ما يكون حتى قيل لبعض العلماء[13]: ألف كتابًا في الزهد، قال: قد ألفت كتابًا في البيوع، فمن أعظم ما يكون أن يتأمل الإنسان في مأكله وفي مشربه، فإن أكل الحلال ينعكس صحةً على البدن، وأيضًا طمأنينة على القلب، وانشراحًا للصدر، وراحة البال من خلال أخذ الحلال، وأما الحرام، فإنك تزرع الحرام؛ ليكون أولادك أولادَ حرام، وتتلطَّخ أنت بالحرام، ثم إن رفعت يديك تريد إجابة الدعاء، لا يُقبل لك دعاءٌ، ولا يبالي بك الله؛ لأنك تأكل من الحرام، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رجلًا يطيل السفر في طاعة الله، أشعث أغبر، يَمُدُّ يديه إلى السماء، يريد من الله أن يقبل دعاءه، ولا تُقبل له دعوة، فعلَّل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ومطعمه حرامٌ ومشربه حرامٌ، ومَلبسه حرام، وغُذي بالحرام فأنى يُستجاب له)[14].

 

فرزقُ الحلال وإن كان يسيرًا، يجعل الله القليل كثيرًا، ويبارك الله، ثم أيضًا على الفقير أن يتأمل للغني بوجه إنصاف لا بوجه إعجاب، ثم يتأمَّل لمن هو أفقر منه، ليأخذ العبرة والعظة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم)[15].

 

فبعض الناس ربما ينظر إلى من هو فوقه، وربما فسَّر ذلك بأنه علامة رضا واختيار، واصطفاء من الله، وأن الله يحب هذا العبد حينما أعطاه هذا الشيء، فأمر الدنيا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب، والدنيا بأيدي الكفار أكثر ما تكون بأيدي المسلمين منذُ قديم الزمان؛ لأنهم مشغولون في هذه الدنيا؛ قال سبحانه: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15ـ 16].

 

فالكفار أحسن أجسامًا وأطول أجسامًا، وأكثر أموالًا، وعندهم من التقنية والدنيا ما ليس عند المسلمين، فهل معنى ذلك أنهم أفضل من المسلمين؟ كلا والله وألف لا، لا يمكن أن يكون ذلك أبدًا، وقد دخل عمر الفاروق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراشٌ قد أثَّر الرمال بجنبه متكئًا على وسادة من أدم حشوها ليف، فقال: يا رسول الله، ادعُ الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم قد وسِّع عليهم وهم لا يعبدون الله، فقال: "أو في شك أنت يا بن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا"، وفي رواية: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟)[16].

 

فهذه سنة رسول الله، وهذه حياة رسول الله، بل خُيِّر صلى الله عليه وسلم بين أن تكون جبال مكة ذهبًا، إذا أصبح الناس وجدوا جبال مكة كلها ذهبًا حتى تكون معجزة، وأمارة على نبوته، أو أن يغفر الله لأمته إن هم أذنبوا؟ فاختار صلى الله عليه وسلم الثانية؛ لأن الناس يقعون في الذنوب والمعاصي وهم مساكين يحتاجون إلى رحمة الله، أما كونه يثبت معجزةً لكفار قريش على أنه قد آمن به مَن آمَن مِن صناديد قريش، لكن الشيطان كان لبعضهم بالمرصاد، وهذا من اختيار الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، اختار صلى الله عليه وسلم أن يغفر الله لأُمته، وأن يرحم الله أمته، فاعلموا يا عباد الله أن أمر هذه الدنيا قليل ومتاعٌ زائل، فعلى الإنسان أن يتأمل فيها حق التأمل، وأن يعلم أنه لا بد أن يأخذ العبرة والعظة ممن كان يعاصرهم، ثم ذهبوا إلى غير رجعة، ذهبوا إلى عالم القبور، فعلى الإنسان أن يعلم أن أعظم موعظة، موعظةُ القرآن، ثم موعظة الموت، إنها من أعظم المواعظ التي يجب على الإنسان أن يتأثر بها، وأما السؤال الخامس، وهو أن يسأل عن علمه فيم عمل به؟ وقد يقول قائل: إنما هذا من اختصاص العلماء أو طلاب العلم إن المسلم يعلم كثيرًا من الدين، يعلم مثلًا بأنه يجب عليه بأن يوحد الله، ويعلم أيضًا بوجوب الصلاة، ووجوب إخراج الزكاة، وبوجوب الحج، ويعلم بوجوب الصيام، يعلم أيضًا بأن الله حرَّم الربا، يعلم أن الله حرَّم الزنا، هذه معلومات كما يقول العلماء من الدين بالضرورة، أنت مسؤول عن علمك، هذا فيما عملت به، فإن كنت قد علمت أن الصلاة واجبة، ولا يجوز لك أن تصلي في البيت، ولا سيما الفجر والعصر، فاعلم أنك آثم ومسؤول عن علمك هذا، وإن كنت تعلم أن الربا حرام، وقد استمعت إلى فتاوى العلماء، وهي النسبة المحددة في بداية العقد أن تتعاقد مع شخص تعطيه مائة لتستلم مائة وعشرة في آخر الشهر، كما كان ربا الجاهلية أو ما عليه أكثر المسلمين الآن في كثير من البنوك، يضمنون النسبة في بداية العقد، وقد سمعت فتاوى العلماء، هذا من العلم الذي تسأل عنه بين يدي الله، وهكذا إن كنت تعلم أن الله أوجب عليك برَّ الوالدين، ثم صار منك عدم الانشراح والتبرم وعدم الرضا من كلمة سمعتها من أبيك أو أمك، فاعلم أن ذلك عقوق، فأنت محاسبٌ عليه بين يدي الله، وأيضًا آثم من جهة، ومحاسبٌ من جهة أنك تعلم، فإذا كنت لا تعلم، فالله لا يؤاخذك إلا بعد العلم، فمن كان مثلًا لا يعلم بوجوب الزكاة، ثم مرَّت عليه سنين، وهو لا يؤدي الزكاة ولا يخرجها باعتبار أنه لا يدري، على أن هذا أمر لا يكون إلا في بلدةٍ كافرة، أما في بلد مسلم وقد سمع من العلماء والنصحاء ومن الجلساء والفقهاء في دين الله، لكن نقول تنزلًا وإرخاءً للعنان لو كان لا يعلم لا يلزمه شيء؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، فأي شيء في خطبة جمعة أو في محاضرة، أو من عالم من خلال المذياع أو التلفاز، أو سمعت نصيحة من شريط، سمعت ذلك، فاعلم أن هذا من العلم الذي تسأل عنه بين يدي الله سبحانه وتعالى، فإياك إياك أن تتشاغل أو تتناسى أو تتجاهل، أو تقول: هذا لا يلزمني، إنما هو يلزم فلان أو علان من الناس، فاعلَم أنك مطالب بشرع الله ومطالب بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومطالب بكتاب الله، أي شيء تعلمه فأنت مسؤول عنه بين يدي الله، من كان يجهل ثم ارتكب حرامًا، ثم نُبِّئ بعد ذلك، لكنه يجهل هذا لا يحاسب على ذلك، لكن من كان يعلم، ثم يرتكب الإثم بعد العلم، فعليه أن يعلم أن العقوبة عقوبتان عقوبة مضاعفة؛ كما قال سبحانه عن نساء النبي: ﴿ يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [الأحزاب: 30]، فلذا كان العلماء وأهل العلم وطلاب العلم أشدَّ عقوبة يوم القيامة من الجاهلين لماذا؟ لأنهم يعلمون.

 

بل أول من تُسعَّر بهم النار ثلاثة: ومنهم العالم الذي كان لا يعمل بعلمه، وعالم بعلمه لم يعملن، معذبٌ من قبل عباد الوثن، فأول من تسعر بهم النار ثلاثة: المجاهد الذي يريد الفخر والرياء، وهكذا المتصدق الذي يريد أن يقال عنه بأنه جوَاد، بأنه كريم، وهكذا العالم الذي يريد أن يقال له: هو عالم أو قارئ للقرآن[17]، لكنه مفرط ومضيعٌ للصلوات، مضيعٌ لِما أوجَب الله سبحانه وتعالى عليه، فتكون العقوبة مضاعفة، فعلينا أن نعلم أنه ما من مسلم إلا وهو يعلم كثيرًا من الدين، فهو مسؤول عن هذا بين يدي الله سبحانه؛ كما قال جل وعلا: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 44]؛ أي تسألون عن هذا الدين وعن رسول هذا الدين، وعن تعاليم هذا الدين، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقًّا فيرزقنا اتباعه، والباطل باطلًا، فيرزقنا اجتنابه.

 

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، هذا ما قلته لكم، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم، فاستغفروه يغفر الله لنا ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على مَن بعثه الله رحمةً للعالمين وحجةً على الناس أجمعين، ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين:

معاشر المسلمين، اتقوا الله سبحانه وتعالى حقَّ التقوى، واعلموا أنه لا فلاح ولا نجاح في الدنيا والآخرة إلا بتقوى الله؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2 - 3].

 

أيها المسلمون، فقط مجرد تنبيه، إن كثيرًا من المسلمين يحتفلون في شهر رجب بما يسمى بالإسراء والمعراج، مسرى ومعراج النبي صلى الله عليه وسلم، يعتقدون أنه في شهر رجب في سبعة وعشرين من رجب، والجواب على ذلك أنه لم يثبُت أن الإسراء والمعراج كان في شهر رجب، أو أنه في ليلة سبع وعشرين من رجب، وعلى حدِّ أنه قد ثبت لو قال قائل: بل قد ثبت في أنه في رجب وفي ليلة سبعة وعشرين، نقول: إن الاحتفال بمعراج النبي صلى الله عليه وسلم، لو سألنا هؤلاء المحتفلين: ماذا تريدون؟ يقولون: نريد بذلك التقرب إلى الله والتقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقول: هذه عبادة والعبادة لا تكون إلا بدليل من الشرع، فمن ذبح في شهر رجب من أجل الإسراء والمعراج، ومن اشترى القات وأتعَب نفسه، فليعلم أنه قد ارتكب إثمًا، وأنه قد ابتدع في دين الله بدعة لم ينزل الله بها من سلطان، لماذا؟ لأن القرون المفضلة انقرَضت ولم تُحدث هذه البدعة، وهكذا علماء المسلمون إلى يومنا هذا لم يحتفلوا بهذا الأمر، على أن يهوديًّا من اليهود قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت - لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال أي آية؟ قال:﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، قال عمر قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة[18]، لكن الصحابة لم يتخذوا ذلك اليوم عيدًا، فليس لنا معشر الإسلام في دين الإسلام إلا عيد رمضان وهكذا عيد الأضحى المبارك، وهكذا يوم الجمعة هو عيد الأسبوع، ثم بعد ذلك من الأعياد أعياد مبتدعة، ما أنزل الله سبحانه وتعالى بها من سلطان، فالواجب على المسلمين أن يتوبوا، وربما بعض الناس يقول: هؤلاء لم يجتمعوا على فيديو ولا على خلاعة، ولا على سينما ولا على مزمار، ولم يجتمعوا على غيبة أو نميمة، وإنما اجتمعوا في مديح النبي صلى الله عليه وسلم نقول: إن التحديد والتخصيص يحتاج إلى دليل، فلمَ لا يكون الاجتماع كل يوم، يكون الاجتماع مثلًا بعد العشاء لقراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحاديث من رياض الصالحين، فإذا جاءت ليلة سبعة وعشرين من رجب، كانت ليلة كغيرها من الليالي، لكنا إذا خصصنا كنا مطالبين بإثبات الدليل، وليس لنا دليلٌ، وأول من يزدحم عند حوض النبي صلى الله عليه وسلم المبتدعة، والرسول صلى الله عليه وسلم يرفضهم ويطردهم من على حوضه، ولا يسمح لهم أن يشربوا من يده، لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذَّرنا من البدع قال: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)[19]، (وكل ضلالة في النار)[20].

 

والجاهل لا يفقه يرى أن هذا خير، وأن هذه قربة، والأمر ليس كذلك، فالبدعة معناها الابتداع والاختراع والاستدراك، فكأنك تستدرك على الشرع، كأنك تستدرك على أرحم الراحمين، والله يقول: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]، وكأنك تستدرك على رسول الله وهو يقول: (اللهم هل بلَّغت اللهم فاشهَد)[21]، فالذين يحيون هذه الشعيرة يطالبون بدليل، وأقول ولله الحمد: لا يمكن أن يأتوا بدليل، لا دليل صحيح ولا ضعيف، ولا يستطيعون أن يأتوا بعالم من علماء المسلمين الموثوق بعلمهم، وبتقواهم وبأنهم ثقة عند المجتمع، بأنه أحيا هذه الليلة، ولكن يتعللون ببعض العلل مثل ما ذكرته لكم، يقولون: هذه محبة الرسول وهذه قربة، ولسنا في أغاني ولا سينما، هذه تعليلات عليلة لا محل لها من الإعراب، فعلى المسلم أن يعلم أن دين الله هو دين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو دين الجهاد وهو دين الصدق، وهو دين الحكم بما أنزل الله، إنه دين الصلاة ودين الزكاة ودين الخير، ليس دين الدروشة ودين البدع، ودين الخرافات، هذه أمور قد عفا عليها الزمان، وصارت في خبر كان، فيجب على المسلم أن يعلم أنه مسلم وكفى، ومعنى مسلم استسلام لله بالظاهر والباطن.

 

أسأل الله أن يوفِّقنا وإياكم لما يُحبه ويرضاه، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى، اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا هَمًّا إلا فرَّجته، ولا دَينًا إلا قضيتَه.

 

اللهم أصلح أحوالنا يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أصلح أحوال إخواننا في فلسطين، وأصلح أحوال إخواننا في العراق، وأصلح أحوال إخواننا الأفغان.

 

اللهم أصلح أحوال إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

 

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

 

اللهم من كان في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، فأصلِحه ووفِّقه يا أرحم الراحمين، ومن كاد للمسلمين فكِدْه، واجعَل تدبيرَه تدميرًا عليه.

 

عباد الله، ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

 

اذكُروا الله يذكُرْكم واشكُروه على نِعَمه يَزِدْكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون، وأقِم الصلاة.

 


[1] لما رواه الترمذي (413) والنسائي (465) عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني: صحيح الجامع (2020) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر).

وفي رواية عند الطبراني في الأوسط (1859) عن أنس رضي الله عنه وصححه الألباني: صحيح الجامع (2573) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح له سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله).

[2] لما روى البخاري (6168، 6471) ومسلم (1678) وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء".

[3] رواه البخاري (6469) وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما.

[4] صحيح: رواه الترمذي (1395) والنسائي (3986، ومواضع) والطبراني في الأوسط (4349) والبزار (2393) عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ورواه ابن ماجه (2619) عن البراء بن عازب، وصحَّحه الألباني في: صحيح الجامع (5077، 5078).

[5] صحيح: رواه الترمذي (3540) وتفرد به عن أصحاب الأمهات الستة، ورواه الطبراني في الأوسط (4305) وأبو نعيم في الحلية (2/231) وصححه الألباني في: صحيح الترمذي (2805) وصحيح الجامع (4338) والصحيحة (127)، ورواه أحمد (21510، 21544) عن أبي ذر رضي الله عنه وحسنه شعيب في تحقيق المسند، فائدة: قال ابن دقيق العيد في شرحه (ص108): في هذا الحديث بشارة عظيمة وحلم وكرم عظيم وما لا يحصى من أنواع الفضل والإحسان والرأفة والرحمة والامتنان، وقال ابن رجب: وقد تضمن حديث أنس المبدوء بذكره أن هذه الأسباب الثلاثة يحصل بها المغفرة: أحدها: الدعاء مع الرجاء، فإن الدعاء مأمور به وموعود عليه بالإجابة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وفي السنن الأربعة عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الدعاء هو العبادة"، ثم تلا هذه الآية... لكن الدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه وانتفاء موانعه.

السبب الثاني للمغفرة: الاستغفار ولو عظمت الذنوب وبلغت الكثرة عنان السماء.

السبب الثالث من أسباب المغفرة: التوحيد وهو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة ومن جاء به فقد أتي بأعظم أسباب المغفرة قال الله تعالى [إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء] (النساء48) فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض وهو ملؤها أو ما يقارب ملأها خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل فإن شاء غفر له وإن شاء أخذه بذنوبه ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة.

أنظر: جامع العلوم (ص/392ـ 398) بتصرف.

[6] رواه مسلم (2582) وأحمد (7203) ومواضع والترمذي (2420) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[7] رواه البخاري (2317، 6169) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[8] صحيح بشواهده: رواه الترمذي (2416) وأبو يعلى في مسنده (5271) والطبراني في الكبير (9772) والصغير (760) والبيهقي في الشعب (1784) وصححه الألباني لشواهده في: المشكاة (5197) وانظر: الصحيحة (946).

[9] انظر: حلية الأولياء (2/148) وروى البيهقي في الشعب (10663) نحوه من قول أبي الدرداء رضي الله عنه.

[10] صحيح: رواه الحاكم (7846) وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي في الشعب (10248) وابن أبي الدنيا في قصر الأمل (111) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (2) وأبو نعيم في الحلية (4/148) والبيهقي في الشعب (10250) وابن أبي شيبة (34319) والقضاعي (729) عمرو بن ميمون، قال الحافظ في الفتح (11/235): أخرجه ابن المبارك في الزهد بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون، وانظر: صحيح الجامع (1077) وصحيح الترغيب (3355).

[11] متفق عليه: البخاري (629، 1357، 6114، 6421) ومسلم (1031) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[12] انظر: إحياء علوم الدين (2/58).

[13] هو محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى كما في تعليم المتعلم" للزرنوجي (ص28) وحلية طالب العلم ص ().

[14] رواه مسلم (1015) وأحمد (8330) والترمذي (2989) والبخاري في رفع اليدين (94) والدارمي (2717) والبيهقي في الكبرى (6187) وفي الشعب (1159) وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[15] رواه مسلم (2963/9) وأحمد (7442، 10251) والترمذي (2513) وابن ماجه (4142) وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي البخاري (6125) ومسلم (2963/8) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه).

[16] انظر: البخاري (89، 2336، 4629، 4630، 4631، 4895، 4920، 5505، 6829، 6835)، ومسلم (1479) عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما.

[17] انظر في قصة هؤلاء في: مسلم (1905) وأحمد (8260) والنسائي (3137) والترمذي (2382) وابن خزيمة (2482) وابن حبان (408) والحاكم (1527) وصحيح الجامع (1713) وصحيح الترغيب (22، 1335) وفي غيرها.

[18] متفق عليه: البخاري (45، 4145، 4330، 6840) ومسلم (3017) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[19] صحيح: رواه أحمد (17184، 17185)، وأبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (43،42) والحاكم (332)، وابن حبان (5) والدارمي (95) والبيهقي في الكبرى (20125) والشعب (7515) من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وصحَّحه الألباني في: صحيح الجامع (2549) والصحيحة (2735) والإرواء (2455) والمشكاة (165)، وقال الشيخ مقبل الوادعي: في الدلائل (ص476): الحديث حسن لغيره وله طرق يرتقي بها إلى الصحة.

[20] صحيح: وهي زيادة في خطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح بها خطبه عند النسائي (1578) وابن خزيمة (1785) وانظر: صحيح الجامع (1353) وخطبة الحاجة ص (25) وإصلاح المساجد ص (11).

[21] متفق عليه: لبخاري (67، 105، 1654، 3025، 4144، 4385، 5230، 6667، 7009) ومسلم (1679)عن أبي بكرة وهو عند البخاري (1655، ومواضع) ومسلم (66) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

 

.