هل تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان ؟

هل تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان ؟

الحمد لله رب العالمين اولا واخرا
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا اما بعدلا يُمكن أن يكون الواقع مَصدر أحكام ، وإنما قد يُجتَهد لإصدار أحكام تُناسب الواقع ، وهو ما يُعرف عند العلماء بـ " الـنَّوازِل " .

أما أحكام الإسلام فهي ثابتة لا تتغيّر بتغيّر زمان ولا مكان ، وإنما يتغيّر اجتهاد المجتهد ، وتتغيّر الفتوى بحسب تغيّر الزمان .
وكان من سياسة عمر رضي الله عنه مُراعاة الحال والزمان دون إخلال بأحكام الله .

وعلى سبيل المثال : حُكم الصلاة لا يَتغيّر في سَفر ولا في حضر عما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
وحُكم الزنا أو الخمر لا يَتغيّر عما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

وإنما الذي يتغيّر ما يَجِدّ في حياة الناس أو يَحتاج إلى اجتهاد ، كالنّوازِل التي تَنْزِل بالناس ، أو اختلاف الحال ، فتتغيّر فتوى المفتي أو اجتهاد المجتهد .

وهذه لا يُمكن أن يُقال عنها : تغيّر أحكام الإسلام ، وإنما تغيّر فتوى المفتي أو اجتهاد المجتهد .
وهذا أيضا ليس لِكلّ أحد ، بل هو لأهل العلم الذين يَبْنُون تلك الاجتهادات على أصول وقواعد ثابتة .

أما أحكام الإسلام فهي ثابتة لا تتغيّر مهما تغيّر الزمان أو المكان ، ذلك لأنها صالحة لِكلّ زمان ومكان .

فتغيّر الزمان لا يُمكن أن يُحلِّل الحرام ، ولا أن يُحرِّم الْحَلال ؛ لأن هذه أحكام ثابتة لا تتغيّر .

كما أن تغيّر الفتوى لا يُمكن أن يُقال به على إطلاقه ، فلا يُقال بِتغيّر كلّ فتوى ، فإنك لو نَظَرتَ في فتاوى الصحابة لَوجدت أنها صالحة لكل زمان ومكان ، ومثلها فتاوى العلماء قديماً ؛ فإنها تَصلح لكل زمان .
فلو نظرت مثلا في فتاوى ابن الصَّلاح أو شيخ الإسلام ابن تيمية ابن تيمية أو غيرهم ممن دُوِّنت لهم فتاوى ؛ لَوَجدت أنها صالحة لزماننا هذا ، فضلا عما قبله .
ويَحتاج المفتي في مثل زماننا هذا إلى أن يَرجع إلى فتاوى العلماء وإلى ما قرّروه وأصّلوه ليَبني عليها الفتوى في ما يَجِدّ ويَنْزِل بالناس .

وعلى سبيل المثال : الصلاة في الطائرة ، هذه مسألة جديدة ، إلا أن العلماء تناولوها بالبحث وتَكلّموا عن مثل الصلاة في الأرجوحة !
ففي كُتب الفقه : " إذا كانت الراحلة واقفة فعند الشافعي تَصِحّ الصلاة للفريضة كما تَصِحّ عندهم في الأرجوحة المشدودة بالحبال ، وعلى السرير المحمول على الرِّجَال إذا كانوا واقفين "

وما مِن مسألة إلا وأصلها في كتاب الله وفي سُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، نَصًّا أو استنباطا .

قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : وحُكْمُ الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان وتطوّر الأحوال وتجدّد الحوادث ، فإنه ما من قضية كائنة ما كانت إلا وحكمها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نصاً أو ظاهراً أو استنباطاً ، أو غير ذلك ، عَلِم ذلك من عَلِمَه وجَهِله من جَهِله . وليس معنى ما ذكره العلماء من تَغَيّر الفتوى بتغير الأحوال ما ظنه مَن قَلّ نصيبهم - أو عُدِم - مِن معرفة مدارك الأحكام وعللها حيث ظنوا أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إرادتهم الشهوانية البهيمية وأغراضهم الدنيوية وتصوراتهم الخاطئة الوَبِـيّـة ، ولهذا تجدهم يُحَامُون عليها ، ويجعلون النصوص تابعة لها منقادة إليها مهما أمكنهم ، فيُحَرّفون لذلك الكَلِم عن مواضعه ، وحينئذ مَعنى تَغَيّر الفتوى بتغير الأحوال والأزمان مُراد العلماء منه ما كان مُسْتَصْحَبة فيه الأصول الشرعية والعِلل المرعية ، والمصالح التي جِنسها مُراد لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومِن المعلوم أن أرباب القوانين الوضعية عن ذلك بِمَعْزَل ، وأنهم لا يُعَوّلون إلاّ على ما يلائم مراداتهم كائنة ما كانت ، والواقع أصدق شاهد . اهـ .

والله تعالى أعلم .

.