هل يجوز الحلف بغير الله ؟

هل يجوز الحلف بغير الله ؟

 الجـــــــواب :
... و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...
الحمد لله.
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الحلف بغير الله تعالى.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:   أَلاَ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلَّا بِاللَّهِ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا، فَقَالَ: لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ   رواه البخاري (3836) ومسلم (1646).
وفي رواية للبخاري (2679) ، ومسلم (1646): أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ  .
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة ، منهي عنها ؛ لا يجوز الحلف بها لأحد " انتهى من "التمهيد" (14 / 367).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" فأما "الحلف بالمخلوقات"  كالحلف بالكعبة، أو قبر الشيخ، أو بنعمة السلطان، أو بالسيف، أو بجاه أحد من المخلوقين: فما أعلم بين العلماء خلافا أن هذه اليمين مكروهة منهي عنها، وأن الحلف بها لا يوجب حنثا ولا كفارة. وهل الحلف بها محرم أو مكروه كراهة تنزيه؟
فيه قولان في مذهب أحمد وغيره: أصحهما أنه محرم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (35 / 243).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" – ومن الكبائر- الحلف بغير الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله، فقد أشرك )، وقد قصّر ما شاء أن يقصر من قال: إن ذلك مكروه، وصاحب الشرع يجعله شركا ؛ فرتبته فوق رتبة الكبائر" انتهى من "إعلام الموقعين" (6 / 571 - 572).
والحديث المذكور، هو ما رواه ابْن عُمَرَ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ ) رواه أبو داود (3251) والترمذي (1535) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ "، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (8 / 189).
وهذا الشرك قد يكون أكبر، وقد يكون أصغر محرّما لكن لا يخرج صاحبه من دائرة الإسلام.
فيكون شركا أكبر: إن جعل المقسم به بمنزلة الله في التعظيم والقدرة على النفع والضر؛ كما يفعل بعض عباد القبور من قسمهم بصاحب القبر واعتقادهم أن له قدرة على التصرف بالضر والنفع الغيبي فيجعلونه شهيدا على صدقهم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" فإن اعتقد في المحلوف به ، من التعظيم ، ما يعتقده في الله : حرم الحلف به، وكان بذلك الاعتقاد كافرا ، وعليه يتنزل الحديث المذكور " انتهى من "فتح الباري" (11 / 531).
وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى:
" القسم -الذي- يفهم إجلال الحالف للمحلوف به، واعتقاده أن له سطوة غيبية ، بحيث ينال الحالف النفع الغيبي إذا وفى وصدق، وأنه إن لم يف أو يصدق نالته عقوبته ، ونال المحلوف له النفع الغيبي بإيفائه حقه إن كان له حق...
ونحوه الحلف بالصنم يفهم احترام الحالف له واعتقاده أن له سطوة غيبية ...
إذا ثبت هذا ، فقد ثبت أن القَسَم من هذا الضرب : خضوع وتعظيم للمقسم به ، يطلب به نفع غيبي للحالف ، أو للمحلوف له على فرض، وهذا الخضوع والتعظيم هو العبادة كما مر تحقيقه، والعبادة إذا لم ينزل الله تعالى بها سلطانا فهي عبادة لغير الله ، وعبادة غير الله كفر وشرك " انتهى من "آثار الشيخ عبد الرحمن المعلمي" (3 / 1018).
ويكون الحلف بغير الله تعالى شركا أصغر إذا لم يصل إلى مثل هذا التعظيم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" والحلف بغير الله شرك أكبر؛ إن اعتقد أن المحلوف به مساو لله تعالى في التعظيم والعظمة، وإلا ؛ فهو شرك أصغر " انتهى من "القول المفيد" (2 / 214).
وجاء "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى" (23 / 56):
" الحلف بالأمانة : فهو حلف بغير الله، والحلف بغير الله شرك أصغر، ومن أكبر الكبائر؛ لما روى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )، قال ابن مسعود رضي الله عنه: " لئن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا ".
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن سليمان بن منيع ، عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي " انتهى.

.