تأملات في سورة القدر

تأملات في سورة القدر

 عندما تضعف الهمم وتكثر المشاغل يتضاءل حجم الدين عند الناس ويصبح الدين عندهم مختزلا في كثير من الأمور وقد كان من كرم الله سبحنه وتعالى ورحمته أن جعل في القرآن الكريم سورا قصارا وأخر طوالا حتى تستوعب هذه السور القصير والطويلة مختلف الهمم في سائر العصور وحتى لا يتثاقل أهل الهمم الصغرى عن الإلتزام بالقرآن الكريم
وحقيقة فإن القصار المفصل من السور هو المحطة الأهم في حياة أغلب المسلمين فسواد المسلمين لا يحفظون غيرها ولا يقرؤون في الصلاة غيرها فكان لزاما تدبر هذه السور وتوضيح مراميها وأبعادها المختلفة للأسباب التالية :
1 – التصاق أغلب المسلمين بها .
2- الكشف عن الأسرار العظيمة الموجودة في هذه السور
3- الارتقاء لفهم القرآن الكريم و والانتقال بعد ذلك إلى القرآن كافة .
وفي واقع الأمر فإن كثيرا من هذه السور تحمل بشكل أو بآخر مقاصد القرآن الكريم كله فهي تحوي التوحيد والتربية والقصص والسلوك وسنحاول إن شاء الله إلقاء بعض الضوء على بعض التدبرات القرآنية في قصار السور
سورة القدر
" إنا أنزلناه في ليلة القدر(1)وما أدراك ما ليلة القدر(2)ليلة القدر خير من ألف شهر(3)تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر(4)سلام هي حتى مطلع الفجر(5) "
سورة القدر مكية في أرجح الأقوال وترتيب نزولها الخامسة والعشرون
وسبب نزولها أنه ذكر أمام النبي رجل من بني اسرائيل حمل السلاح ألف شهر في سبيل الله فاستقل النبي عليه السلام أعمار أمته فنزلت هذه السورة رواه مجاهد
والحقيقة إن هذه السورة تحمل في طياتها الكثير من الأفكار الهامة والتي نبين بعضها :
1 – معنى كلمة القدر : القدر الحكم والتقدير التدبير وجذر الكلمة يدور حول مقادير الأشياء فيصبح معنى الكلمة هي ليلة الحكم والتدبير والقضاء " . فيها يفرق كل أمر حكيم .." الدخان يفرق يقضى ويفصل وقال ابن عباس والحسن رضي الله عنهما " في ليلة القدر يقضي الله كل أجل وخلق ورزق إلى مثلها في العام القادم .
2- ليلة القدر خير من ألف شهر فبها ثلاث فوائد :
1- الاختصاص بيد الله سبحانه وتعالى فهو الذي فضل بعض النبيين عن بعض وفضل بعض الشهور عن بعض وفضل بعض الأوقات عن بعض وحتى فضل بعضل المأكولات عن بعض " وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون(4)" الرعد
2 - ليلة القدر هي في حقيقتها فرصة لإطالة العمر فألف شهر تعادل تقريبيا اثنان وثمانون عاما فمن يدرك ليلة القدر عشر مرات فكأنما عاش عشرين وثمانمائة عاما ومن أدركها عشرين مرة فكأنما عاش أربعون وستمائة وألف من الأعوام وهكذا وأي نعمة أكبر من ذلك
3- ليست العبرة بطول الأعمار إنما بحسن الأعمال فليس المهم أن تمتد الحياة ولكن المهم أن تمتلئ ورب لحظة واحدة هي في جوهرها خير من الحياة كلها فليلة القدر تعادل اثنان وثمانون عاما ولحظة واحدة من الصحابة مع رسول الله تساوي الكثير ةتدخلهم تحت قوله تعالى " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم(100) التوبة
وهذا ما يجعلنا نتعرض لنفحات الله ونتعرض لمواسم الخير .
3 – سلام هي حتى مطلع الفجر :ورد في الحديث أن الله هو السلام والسلام هو اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى وكون ليلة القدر هي ليلة سلام وهي أول ليلة نزل فيها القرآن فالله يريد للعالم السلام والأمان ويريد سلام المجتمع من الرذيلة وسلامة القلوب والنفوس من الأحقاد ويريد سلامة العلاقات من الانحراف وغيرها من أنواع السلام في الأمة بل في العالم ( مع التأكيد على أن السلام لا يمكن أن يتحقق في كل ذلك إذا لم يكن برعاية الإسلام )
4 – ليلة القدر ولادة للإسلام على وجه الأرض فهي يجب أن تكون نقطة بداية في حياة المسلم لا نقطة عابرة ويجب أن تكون نقطة تحول في حياته لا أن تكون مجرد ذكر لها طقوس معينة
5_ أن كثيرا من الناس ليفهمون الحديث في قيام ليلة القدر فهما مجتزءا فليس معنى من قام ليلة القدر هي فقط العبادات المختلفة ولكن معنى القيام يضاف له معنى آخر هو أن نعمل بمقتضيات ليلة القدر بعد انتهائها وهذا هو القيام
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

.