كن مبشرا

كن مبشرا

ما نحتاجه نحن المسلمين اليوم هو تغير طريقة تفكيرنا فنتعدى زماننا ومكاننا ونحلل أوضاعنا في ضوء القواعد التي أنزلها  الله لخلقه وبعث لإرسائها رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [سورة النساء:104]. نرى من خلال الآية البشارات السعيدة التي وعد بها المؤمنون والتي عليهم تذكرها في اللحظات العصيبة. قد يأتي إلى أذهاننا أنه لا مخرج لأمتنا من المآزق التي هي فيها، لكن يجب علينا أن نتذكر أن الله جل جلاله قد وعد بنصرة هذه الأمة وقتما يشاء بناءً على حكمته. قد نكون في موقف ضعف في الوقت الراهن، لكننا متيقنين أنه سيتغير إلى قوة. يقول الإمام أحمد أن الظلم لن ينتصر على الحق إذا كانت قلوبنا متعلقة بالحق، نحن متأكدون من أن الحق سيزهق الباطل وسيكون النصر قريباً عندما نأخذ بأسباب النصر بإذن الله.  هنا سنستعرض ثلاث مواقف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أكد فيها المعنى السابق، قرب تحقق النصر للمؤمنين، وأعطى من خلالها بشارات أثلجت صدور أصحابه وتابعيه: النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف:  عندما اشتد الأذى والكيد في قريش بعد موت عم وزوج النبي صلى الله عليه وسلم توجه إلى الطائف بلد أخواله وخالاته يأمل أن يجد فيهم اهتماماً ودعماً كبيراً لرسالته، لكنهم في المقابل أقصوه بطريقة غير مهذبة، حيث شجعوا الغلمان على قذفه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين. توجه بعدها النبي صلوات الله وسلامه عليه تلقاء مكة بعزم جديد لاستكمال خطته السابقة لدعوة الناس إلى الإسلام وتبليغ رسالته بروح عظيمة من الحمية والحماس. قال له زيد بن حارثة مولاه: "كيف تذهب مرة أخرى إلى مكة بعد أن نفتك قريش؟"، فرد الرسول عليه الصلاة والسلام: «إن الله سيجعل لي من أمري هذا مخرجاً لأنه لا بد أن ينتصر لرسالته ونبيه». النبي صلى الله عليه وسلم بصحبة أبي بكر رضي الله عنه في الهجرة أقام وجهاء قريش ندوة عاجلة لاقتفاء أثر الرسول وأبي بكر والبحث في كل المناطق للقبض عليهما، قرروا أن يسدوا كل المنافذ الخارجة من مكة وأقاموا الحدود والمتاريس العسكرية على كل المخارج الممكنة. كان السعر عال جداً والجائزة مغرية وهي 100 مائة جمل على كل رأس من الإثنين المطلوبين (صلى الله على محمد ورضي الله عن أبي بكر الصديق). وبالطبع كانت الوسائل المستخدمة المشاة وراكبي الخيول والبصاصين لحصار المدينة. وبمجرد وصولهم لفتحة الغار الذي اختبأ به الرسول وصاحبه همس أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمقولته الشهيرة: "لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا"، فرد النبي الواثق بنصر ربه: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟»، كانت بالفعل معجزة إلهية.. فالمطاردون كانوا بالفعل على بعد خطوات قليلة من الغار. غزوة الخندق  كانت الغزوة في فصل الشتاء والطقس بارداً وثمة نقص في الطعام بالمدينة المنورة وذلك تحت ما يشبه بحصار فظ ولكن روح المقاومة كانت منبثقة من الأمل. وبما أن الحصار كاد أن يعرض المسلمين لأمراض قاسية وبالتالي سيكون التسليم المذل هو البديل، لذلك سعى النبي صلى الله عليه وسلم جاهداً لرفع الروح المعنوية لأصحابه لأعلى درجة ممكنة ليوقنوا بأن هذه التجربة التي تواجههم ما هي إلا سحابة عابرة سرعان ما ستنقشع وسيستمر الإسلام في زحفه وسيدخل الناس في دين الله أفواجاً. وبذلك ستتحطم قوى الطغيان ولن تفلح جميع المكائد ضده ولن يخشى المسلمون شرورهم أبداً. هذا هو قانون السياسات الذي لا يتوقف مجهوده ببث الأمل والعزيمة في النفوس المؤمنة. ثمة شيء خارق للطبيعة حدث أيضاً في هذه الغزوة- ساعد على رفع الروح المعنوية للصحابة-  فعندما كان المسلمون يحفرون الخندق فإذا بصخرة كبيرة تعيق تقدمهم بالحفر فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فأسه ضارباً عليها فتحولت إلى كثيب رملي أملس في الحال. وبالتالي عندما زحف الحلفاء نحو المدينة وأقاموا حصار أو سياج محكم حولها لم ييأس المسلمون بل واجهوا الحقيقة المرة مع أمل ثابت من أجل مستقبل أفضل. قال تعالى: {وَلَمَّا رَءَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُوا۟ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَـٰنًۭا وَتَسْلِيمًۭا} [الأحزاب:22] ولكن المنافقون وضعاف القلوب أخذوا يسخرون من وعود النصر وقالوا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يقول لكم الرسول أنه يرى من يثرب قصور كسرى ومدينة الحيرة وأنتم تحفرون الخندق والواحد لا يأمن على نفسه  قضاء حاجته من شدة الخوف"، فأنزل الله قرآناً يتلى إلى يوم القيامة: {وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌۭ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورًۭا} [الأحزاب:12].  ومرت 13 سنة وتحقق وعد الرسول

صلى الله
عليه وسلم بفتح بلاد فارس. ونلاحظ اليوم من يردد نفس الكلام، بأن ما وعدنا الله باطل -حاشا لله-، يقول الله تعالى {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف من الآية:21]. 
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

.